للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسؤولية الطبيب المأذون له بالطب:

إذا أذن المريض وأدى الطبيب المأذون له بالطب واجبه بما ينبغي عليه من حيطة ومراعاة لأصول المهنة ثم مات الشخص المريض أو تلف له عضو فلا شيء على الطبيب، وهذا مما لا خلاف فيه؛ لأن الخطأ إنما هو في الآراء أو الوسائل الفنية المختلف عليها بين الأطباء، أو فيما تتفاوت فيه قدراتهم وتجاربهم، فلا يسأل عنه مهما كانت النتيجة ... والسبب هو ضرورة إعطاء الطبيب المعالج الحرية اللازمة للإقدام. ولكن قد يخطئ الطبيب أو يهمل فيصف دواء خاطئاً، أو يبتر عضواً سليماً، أو يجري عملية جراحية خاطئة وخارجة عن المألوف، فيموت من جرائها المريض أو يشفى بعاهة مستديمة، والمبدأ العام هو عدم مسؤولية الطبيب جنائياً في هذه الحالة، وذلك للأسباب الآتية:

١- انعدام المسؤولية الجنائية يرجع إلى رضا المجني عليه وإذنه للطبيب المخطئ بالتدخل، وهذا الإذن من المريض أو من ولي أمره في الحالات التي تبرر اللجوء إلى ولي الأمر كاف للقول بعدم مسؤولية الطبيب جنائياً واعتبار عمله مشروعاً؛ وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، حتى إن بعضهم بالغ فقال: إنه لو قال شخص لآخر: اقتلني أو اجرحني ففعل فلا يقتص منه؛ لرضا المجني عليه بالفعل.

والخلاصة هنا أن الذي يفهم من آراء الفقهاء أنه يشترط أن يكون تدخل الطبيب بناء على رضا المريض أو إذن وليه إن كان قاصراً أو غير مدرك، ولا يحق لطبيب أن يتولى علاج إنسان بغير رضاه، فإذا اختار إنسان أن يبقى مريضاً دون علاج فله ذلك ولا يمكن إرغامه. إلا أننا نقول: إن واجب اتباع السنة يملي على كل مسلم مريض يمكن علاجه أن يتعالج؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: الهرم)) . وكما جاء في طبقات ابن سعد عن عائشة: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مسقاماً، وكان العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت به العرب، وكانت العجم تنعت له فيتداوى)) . (١) ونرى كذلك أن لولي الأمر إذا رأى إنساناً يهلك نفسه بعدم تعاطي العلاج أن يرغمه على ذلك. وإذا كان مرضه معدياً فللحاكم أن يجبره على العلاج كما له أن يحجر عليه مخالطة الناس كما في نظام الكورنتينات، وكما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان الوباء بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها)) . وللمريض الحق كاملاً في اختيار الطبيب الذي يعالجه إذا كان مختصاً بذلك المرض؛ لأن الثقة بين المريض والطبيب عنصر هام من عناصر العلاج. وفقهاء الشريعة يشترطون الإذن صراحة لنفي مسؤولية الطبيب. (٢) وتشدد كثير من الفقهاء في مسؤولية الطبيب الذي يجري عملية جراحية بغير إذن أو رضا المريض، واتفقوا على مسؤوليته عن فعله، ولكن اختلفوا فقال بعضهم: إنه يسأل عن فعله مسؤولية عمدية فيعاقب بعقوبة الجرح العمد، وذهب آخرون إلى أن المسؤولية في هذه الحالة تعتبر عمدية وعليه الضمان.


(١) طبقات ابن سعد، ١/١١٦
(٢) المغني ٦/١٢١، الشرح الكبير ٦/١٢٤، المهذب ٢/٣٠٦، الهداية والعناية ٧/٢٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>