للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً- دفع التعارض بين الأحاديث الواردة في العدوى:

قد يظن بعض من يطلع على الأحاديث الدالة على إثبات العدوى والأحاديث النافية لها أن بينها تعارضاً، ولكن سرعان ما يزول هذا الظن ويندفع ذلك الإشكال المتوهم بعد الاطلاع على أقوال أهل العلم الذين جمعوا بين هذه الأحاديث والآثار.

١- ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا عدوى ولا طيرة)) ، (١) كما ثبت أنه قال: ((لا يورد ممرض على مصح)) . (٢)

وقد جمع علماء السلف بما يزيل الإشكال ويدفع التوهم، وكان من أبينهم كلاماً في هذا الشأن الشيخ الإمام محيي الدين النووي في شرحه على صحيح مسلم، والعلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى.

قال ابن القيم: (الحديثان صحيحان ولا نسخ ولا تعارض بينهما بحمد الله، بل كل منهما له وجه ... ولكل واحد معنى في وقت وموضع، فإذا وضع موضعه زال الاختلاف ... وعندي في الحديثين مسلك يتضمن إثبات الأسباب والحكم ونفي ما كانوا عليه من الشرك واعتقاد الباطل ووقوع النفي والإثبات على وجهه) . (٣)

وقال النووي: (قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث ((لا عدوى)) المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى، وأما حديث ((لا يورد ممرض على مصح)) فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره) . (٤)

وأما حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ، (٥) وحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم في قصعة واحدة، وقال له: ((كل ثقة بالله وتوكلاً عليه)) . (٦)


(١) البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري: ١٠/٢٤١؛ ومسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي: ١٤/٢١٥ – ٢١٦
(٢) البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري: ١٠/٢٤١؛ ومسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي: ١٤/٢١٥ – ٢١٦، البخاري: ١٠/٢١٥، ومسلم: ١٤/ ٢١٣
(٣) ابن القيم، مفتاح دار السعادة: ٢/٢٦٤
(٤) النووي، شرح صحيح مسلم: ٤/٢١٣ – ٢١٤.
(٥) البخاري، الجامع الصحيح: ١٠/٢١٥؛ ومسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي: ١٤/٢١٣.
(٦) النووي شرح صحيح مسلم: ١٤/٢٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>