ثانياً: دفع التعارض بين الأحاديث الواردة في العدوى.
أولاً- الإيمان بالقضاء والقدر والأخذ بالأسباب:
الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة التي تجب على المؤمن، وهو قاعدة عقيدته، فلا يصح إيمانه إلا إذا آمن أن ما أصابه من خير أو شر فبإذن الله وقضائه وقدره، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن: ١١] ، وقوله تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[التوبة: ٥١] .
وفي الحديث:((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قدر الله وما شاء فعل)) . (١)
فالمؤمن مطمئن النفس هادئ البال قرير العين بإيمانه، والكافر الذي لا يؤمن بقضاء الله وقدره يخشى المستقبل ويتوقع الخطر ويحيطه الخوف الغامض ويحدث عنده الترقب، ولذلك كثرت نسبة المصابين بالقلق والتوتر النفسي في الدول الغربية، فكثرت حوادث الانتحار، مع كثرة العيادات النفسية وما تقدمه من مسكنات ومهدئات، هذا هو الفارق الواضح بين المؤمن والكافر في الدنيا.
إلا أن مما ينبغي فهمه واعتباره في هذا المقام ما هو معلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة مرتبط أوثق الارتباط وأشده بالقضاء والقدر، من أن الأخذ بالأسباب مطلب من مطالب الشارع الحكيم، وأنه لا ينافي التوكل، فالإنسان مخلوق وهبه الله
العقل والإرادة الحرة والقدرة المستعدة للتنفيذ في حدود الإمكان الموهوب، ولكن عمل قدرة الإنسان في آثارها إنما هو عمل الأسباب في مسبباتها، لا عمل المؤثرات الحقيقية؛ إذ إن المؤثر الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى الذي علم ما يصيبنا من خير أو شر فقدره علينا وأمرنا بسلوك طريق النجاة والبعد عن المهلكات، فمن أخذ بالأسباب وآمن بالقضاء والقدر اطمأن قلبه لكل ما يجري في الكون مما لا كسب له فيه، ورضي بمراد الله، مهما كان الأمر محزناً أو ساراً.