للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نص الفقهاء قديماً على تقصير الأطباء ومن في حكمهم والأحكام المترتبة عليها ومن ذلك ما قاله الشيخ خليل: (كطبيب جهل أو قصر) (١) فجعل عليه الضمان بتقصيره وأي تقصير يساوي هذا التقصير الذي لا يحتاط فيه الطبيب والفني من وجود الفيروس المؤدي إلى هذا المرض القاتل.

وقد علق الدسوقي على قول خليل السابق بقوله: (كأن أراد قلع سن فقلع غيرها، أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة) (٢)

وقال المواق: (قال ابن القاسم: لا ضمان على طبيب وحجام وخاتن وبيطار إن مات حيوان بما صنعوا به إن لم يخالفوا، وضمن ما سرى كطبيب جهل أو قصر) (٣)

فمفهوم قوله إن لم يخالفوا أنهم إن خالفوا تعدياً أو تقصيراً ضمنوا كما يدل عليه قوله: (أو قصر) .

وقال ابن القيم: (وإن كان الخاتن عارفاً بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختتن في مثله وأعطى الصناعة حقها لم يضمن سراية الجرح اتفاقاً) (٤)

وقد علق قيس بن المبارك على هذا الحكم بقوله: (دل قوله: وأعطى الصناعة حقها) على اعتباره لأصول المهنة الطبية سبباً من أسباب سقوط المسؤولية، ومفهوم وصفه هذا يدل على أن عدم الأخذ بهذه الأصول يعتبر موجباً للمسؤولية) (٥)

وقال ابن الشحنة: (ليس على الفصاد والبزاغ والحجام ضمان السراية إذا لم يقطعوا زيادة على القدر المعهود المأذون فيه) (٦)

وقال الشافعي: (وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعله مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالماً به فهو ضامن) (٧)

فجعل نفي المسؤولية والضمان عنه مشروطاً بفعل ما فيه الصلاح للمفعول له عند أهل العلم.

ولاشك أن في كل ما تقدم بيانا وإيضاحا للإلزام بأصول المهنة وتضمين من لم يلتزم بها ومن قصر في تحليل الدم ومشتقاته حتى أصيب السليم يكون عمله محظوراً معاقباً عليه في الدنيا بالضمان وفي الآخرة بالعقاب.

ولقد اتخذت المملكة العربية السعودية إجراءً وقائياً عاماً حيث منعت استيراد الدم من الخارج واكتفت بما يتم جمعه من الداخل (٨) بعد أن اتخذت عدة وسائل لتشجيع المواطنين على التبرع بالدم، وهذا إجراء يشكر ولا يكفر ويذكر ولا ينسى، والله أعلم.


(١) انظر الدردير، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: ٤/ ٣١٦
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٤/ ٣١٦
(٣) التاج والإكليل مع مواهب الجليل: ٦/ ٣٢٠- ٣٢١
(٤) تحفة المودود (ص ١٩٥)
(٥) التداوي والمسؤولية الطبية (ص ١٧٨)
(٦) لسان الحكم (ص ٢٩٢)
(٧) الأم
(٨) محمد البار، ومحمد صافي: الإيدز (ص ٣٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>