للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: الإصابة بالمرض نتيجة تقصير الأطباء والفنيين في المختبرات أثناء نقل الدم ومشتقاته وزراعة الأعضاء:

من المؤكد والمتفق عليه بين الأطباء أن نقل الدم ومحتوياته وزراعة الأعضاء من مصاب إلى سليم سبب لانتقال العدوى، وقد علمت وقائع متعددة نقل فيها الدم من مصابين فأصيب المنقول إليه بالعدوى لاسيما في مراحل اكتشاف المرض الأولى قبل أن تعرف وسائل انتقاله وتتخذ الاحتياطات اللازمة والتأكد من سلامة المنقول منه من المرض (١)

وحيث إن الإصابة بسبب تقصير الأطباء وفنيي المختبرات أحد الموضوعات اللازم بحثها في نوازل العصر ومستجداته، فما هو حكم الشارع في ذلك؟

غاية العمل الطبي والمقصود منه هو حصول مصلحة حفظ الإنسان الموجودة، ودفع مضرة الأمراض النازلة به، والشريعة الإسلامية عندما أباحت العمل الطبي أباحته رجاء تحصيل هذه المصالح المرجوة، وتحصيلها لا يتم إلا بمطابقة العمل لأصول مهنة الطب، وحيث لم يطابق العمل الذي يقوم به الطبيب أصول مهنة الطب، فإنه لا يكون محققاً لتلك المصالح ومن ثم يبقى على أصله فعلاً محرماً لا يجوز للطبيب ولا لغيره الإقدام عليه، لأن الأصل المقرر أن كل عمل قاصر عن تحصيل مقصوده لا يشرع (٢) فكيف إذا كان يحقق نقيض المقصود؟ وحيث إن الأطباء بشر قد يتسببون في إتلاف الأنفس فقد شرع الله الزواجر لحماية الناس، وهذه الزواجر تتمثل في الوعيد الشديد الذي يلحق بسبب تقصيرهم وإهمالهم واستخفافهم بأجساد الناس وأرواحهم، وذلك يتمثل بعقاب الله لهم في الآخرة كما يتمثل في الدنيا بما يترتب على أفعالهم من قصاص إن كان عمداً، أو ضمان يلزمهم به القاضي إن كان خطأ (٣)

قال الدكتور قيس بن مبارك: (لا يكون العمل الطبي مستوفياً هذا الشرط بأن يحقق تلك المصلحة المرجوة ويدفع تلك المفسدة عن المريض إلا إذا كان موافقاً للأصول والقواعد العلمية المعتبرة عند أصحاب هذا الفن، ذلك أن إقدام الطبيب على معالجة الناس والتصدي لجراحة أبدانهم على غير الأصول العلمية المعتبرة في علم الطب يحيل عمله من عمل مشروع ومندوب إليه إلى عمل محرم يعاقب عليه، لأنه أصبح عملاً عدوانياً فهو أشبه بالجناية الصادرة من غير الطبيب) ثم قال: وقد ذكر الدكتور أسامة قايد تعريفاً حسناً لهذه الأصول فقال: (هي الأصول الثابتة والقواعد المتعارف عليها نظرياً وعملياً بين الأطباء والتي يجب أن يلم بها كل طبيب وقت قيامه بالعمل الطبي) (٤)


(١) محمد البار، ومحمد صافي: الإيدز (ص ٣٩- ١٠٢) ؛ رفعت كمال، قصة الإيدز (ص١٩)
(٢) قيس مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية (ص ١٧٥)
(٣) قيس مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية (ص ١٣٣)
(٤) قيس مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية (ص ١٦٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>