للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقسم الفقهاء القتل الخطأ إلى قسمين:

أحدهما أن يفعل ما له فعله فيقتل إنساناً.

وعلى ذلك هل لمريض الإيدز أن يعاشر السليم المعاشرة الجنسية التي ثبت أنها ناقلة للمرض بما لا يدع مجالاً للشك؟

من القواعد الكلية المعلومة والمستقرة عند العلماء: (لا ضرر ولا ضرار) فكل فعل فيه ضرر أو ضرار بأحد فهو ممنوع شرعاً ومن خالف أثم فيما بينه وبين الله تعالى ولزمته تبعات عمله بل لقد ذهب كثير من علماء الحنابلة إلى أن من فعل ما ليس له فعله فهو عمد محض، جاء في الإنصاف: (تنبيه: مفهوم قوله أن يفعل ما له فعله أنه إذا فعل ما ليس له فعله كأن يقصد رمي آدمي معصوم، أو بهيمة محترمة، فيصيب غيره، إن ذلك لا يكون خطأ بل عمداً وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله، قال القاضي في روايته: وهو ظاهر كلام الخرقي) (١)

وعليه فمريض الإيدز إذا علم بمرضه فليس له المعاشرة فيكون جانياً، يجب عليه تبعات جنايته من دية وكفارة، وفي القود تردد إذ قد يكون حقه في المعاشرة الزوجية التي لا يعلم بمنعها –وذلك متوقع- شبهة في درء حد القصاص.

وأما إذا كان المريض لا يعلم بمرضه فعاشر السليم وأصابه فما الحكم؟

من المعلوم المستقر أن الجهل والخطأ والنسيان رافع للإثم مطلقاً فيما بين المكلف وربه كما وعد بذلك رب العزة والجلال بقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) . (٢)

وأما الحكم فإن الدية والكفارة واجبتان عليه إذ الخطأ لا يسقط حقوق الآخرين المالية، كما أنه لا يسقط الواجبات، فمن نام عن صلاة أو نسيها يجب عليه أداؤها إذا ذكرها، وما أحسن تفصيل السيوطي رحمه الله في هذا المقام حيث يقول: (اعلم أن قاعدة الفقه أن النسيان والجهل مسقط للإثم مطلقاً، وأما الحكم فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه ولا يحصل الثواب المترتب عليه لعدم الائتمار، أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه، أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان، فإن كان يوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها) (٣)

فالضمان واجب على من تسبب في إصابة غيره، والجهل والخطأ والنسيان لا تسقط حقوق الآخرين، وعليه تجب دية السليم إذا أصابه المرض نتيجة للمعاشرة الجنسية ... والله أعلم.


(١) المرداوي، الإنصاف: ٩/ ٤٤٦؛ وانظر البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ٣/ ٢٧٢ وكشاف القناع: ٥/ ٥١٣
(٢) ابن ماجه، السنن: ١/ ٦٥٩
(٣) السيوطي، الأشباه والنظائر (ص٢٠٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>