للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراجح:

كانت العرب في الجاهلية تقول: القتل أنفى للقتل، وبسفك الدماء تحقن الدماء؛ والمقصود من القصاص الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، ولو لم يجب القصاص بهذه الأسباب الخفية لعدل شرار الخلق عن الظاهر إلى الخفي مما يستحدثونه كل حين مما هو أشد فتكاً بالأنفس وإزهاقاً للأرواح من الأسباب الظاهرة فيعود ذلك على مقصد الشارع بالنقض والإبطال فيشيع القتل وتزهق الأنفس وتسفك الدماء، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، فإذا جرح مريض الإيدز غيره أو عضه فأصابه المرض قتلناه بعد موت المجنى عليه لأن سراية الجناية مضمونة وموته بالسراية إذ الغالب أنه بعد دخول الفيروس في بدن السليم يبقى مصاباً حتى يموت من سرايته، جاء في شرح منتهى الإرادات: (وتضمن سراية جناية ولو بعد أن اندمل جرح أو اقتص من جان ثم انتقض الجرح فسرى لحصول التلف بفعل الجاني أشبه ما لو باشره بقود ودية) (١) فعلى القتل بالسم يخرج جرح مريض الإيدز لغيره، وبالإمكان اختيار القول الذي ذهب إليه كثير من الفقهاء أن الجرح ولو كان صغيراً في غير مقتل موجب للقصاص؛ لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل، بل يعلل وجوب القصاص عليه بأنه مات بمحدد، قال في كشاف القناع: (ولو صغيراً كشرطة حجام فمات المجروح ولو طالت علته منه ولا علة به غيره –أي الجرح- ولو كانت في غير مقتل كالأطراف، لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملة فمات) (٢)

فالجرح على هذا القول سبب لزهوق النفس والجرح بما له نفوذ في البدن كسكين وحربة ونحوهما وإن قال: لم أقصد قتله، لم يقبل منه ولم يصدق في دعواه؛ لأنه خلاف الظاهر (٣)

وعليه فإن التسبب في إدخال الفيروس إلى الدم قد استفاض عند الأطباء وكذا سائر الناس أنه سبب للإصابة ومن ثم السراية والموت فلا يقبل قول الجاني أنه لم يقصد قتله لأن ذلك خلاف الظاهر، والله أعلم.

المطلب الثالث: معاشرة المصاب من الزوجين للسليم:

من المعلوم عند الأطباء أن المني يحمل الفيروس فإذا عاشر أحد الزوجين الآخر، وهو مصاب أصيب الآخر غالباً، فزوجات المصابين أصيب عدد كبير منهن (٤) ولذلك ينصح الأطباء إذا كان أحد الزوجين مصاباً بالابتعاد عن الاتصال الجنسي (٥) ما أمكن فإن لم يمكن فعن طريق استعمال العازل الذكري –الكبوت- الذي يؤدي إلى منع ملامسة الإفرازات الجنسية لكل من الطرفين وبالتالي لا تنتقل العدوى إلى السليم (٦) ولكن السؤال المطروح الذي تجب الإجابة عليه: ما هو حكم الشرع إذا علم المريض ومارس مع السليم الجاهل فأصابه المرض؟ وهل يختلف الحكم إذا لم يعلم أنه مصاب فمارس الجنس وأصاب الآخر؟


(١) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ٣/ ٢٩٧- ٢٩٨
(٢) البهوتي، كشاف القناع: ٥/ ٥٠٥
(٣) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: ٣/ ٢٦٩، وانظر المرداوي، الإنصاف: ٩/ ٤٤١
(٤) محمد البار ومحمد صافي، الإيدز ص ٧٠
(٥) رفعت كمال، قصة الإيدز ص ٢٣
(٦) رفعت كمال، قصة الإيدز ص ٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>