للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خطب عمر رضي الله عنه الناس فقال: ((أما بعد، أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أنواع: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل)) (١) ولهذا فإن أي مادة تسبب الإسكار لها حكم الخمر، كما نصت على ذلك الأحاديث النبوية الكثيرة والصحيحة، وإن لم تسبب الإسكار وسببت التفتير والخدر فلها حكم مشابه من ناحية التحريم، وفيها التعزير لا الحد، قالت أم سلمة رضي الله عنها: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر)) (٢)

وقد وردت أحاديث كثيرة عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تنهى عن التداوي بالخمر؛ وذلك لأن العرب في جاهليتهم بل وإلى عقود كثيرة بعد الإسلام ظلوا يعتقدون أن في الخمر منافع طبية عديدة، حيث نرى الإمام ابن كثير وهو يفسر قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩] يذكر أنه من هذه المنافع منافع عديدة للبدن فيقول: ((أما إثمهما فهو في الدين)) ، وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة التي فيها كما قال حسان بن ثابت في الجاهلية:

ونشربها فتتركنا ملوكاً

وأسداً لا ينهنهنا اللقاء

ونرى شيخ أطباء المسلمين أبا بكر الرازي يتمدح بالمنافع الوهمية للخمر فيقول في كتابه منافع الأغذية: (إن الشراب المسكر يسخن البدن ويعين على الهضم للطعام في المعدة وسرعة تنفيذه إلى الكبد وجودة هضمه هناك ... وتنفيذه من ثمة إلى العروق وسائر البدن، ويسكن العطش إذا مزج بالماء، ويخصب البدن متى شرب على أغذية كثيرة الاغتذاء، ويحسن اللون، ويدفع الفضول جميعاً، ويسهل خروجها من البدن، ولذلك هو عون عظيم على حفظ الصحة) (٣)

وكذلك فعل ابن سينا في القانون، وسار على نهجهما كثير من قدامى الأطباء، وهو منهج خاطئ بعد أن أوضح لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الخمر داء.. وقد جاءت أحاديثه معجزة في هذا الباب؛ فقد كشف الطب الحديث زيف ما كانوا يعتقدون، وأبان أن ما جاءت به الأحاديث الصحيحة هو الحق الذي لا مرية فيه، وأن كلام الأطباء على مدى الأزمنة المتطاولة هو الهراء والغثاء.


(١) أخرجه الستة إلا مالكاً
(٢) أخرجه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده
(٣) أبو بكر الرازي محمد بن زكريا: منافع الأغذية ودفع مضارها، دار إحياء العلوم، بيروت، ١٩٨٢، ص ٦٩ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>