أما الإمام ابن تيمية وتابعة في ذلك الذهبي فقد اعتبر الحشيشة خمراً من ناحية الحد والنجاسة واعتبار القليل والكثير منها سواء، وكذلك اعتبرها ابن القيم والأمير الصنعاني ومن تابعهم من الفقهاء.)
قال ابن تيمية في الفتاوى:(هذه الحشيشة الصلبة حرام، سواء سكر منها أم لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين) .
وقال في موضع آخر من الفتاوى:(فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها مما تورثه هذه الملعونة من قلة الغيرة وزوال الحمية، حتى يصير آكلها إما ديوثاً، وإما مأبوناً، وإما كلاهما) .. وقال عنها في كتابه (السياسة الشرعية) : (إن الحشيشة حرام، يحد متناولها كما يحد شارب الخمر.. وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله في الخمر المسكر لفظاً ومعنى) .
وهكذا يتضح الموقف بالنسبة للحشيشة فمن الفقهاء من أدخلها في المسكرات في جميع الأحكام (كالحد والنجاسة وحرمة قليلها وكثيرها) ، ومنهم من جعلها كالمفسد والمرقد والمفتر والمخدر وليس فيها الحد، بل التعزير، وهي طاهرة العين كالأفيون وغيره من المواد الصلبة غير المائعة.
الأفيون:
يستخرج الأفيون من ثمرة شجرة الخشخاش، وقد استخدم منذ أقدم العصور في الصين والهند ومصر القديمة واليونان.. واستخدمه الأطباء العرب والمسلمون، وقد أباح أغلب الفقهاء المسلمين استخدام الأفيون في الأغراض الطبية، ومنعوا استعماله لمجرد اللهو، واعتبروا ذلك حراماً موجباً للتعزير في الدنيا ويأثم متناوله عند الله.
وكانت بذور الخشخاش تستخدم في أرجاء العالم الإسلامي لترقيد الأطفال ولإزالة المغص، كما كان يستخدم مع الحبة السوداء في العيش (الخبز) إلى عهد قريب جداً في كثير من البلدان، ومنها مكة المكرمة، كما استخدم في أنواع المعجنات وغيرها من الكعك، ورغم ذلك فقد صنف بعض الفقهاء الأفيون وجعلوه ضمن المسكرات، ومنهم الحطاب كما قد مر معنا حيث قال في كتابه مواهب الجليل بشرح الحطاب على متن خليل:(المسكرات أربعة: الخمر والبنج والأفيون والجوزة (يقصد جوزة الطيب) ولا يقصدون بلفظ المسكر هاهنا الذي له اللذة المطربة كالخمر، بل المقصود غياب العقل.