الصورة الثانية: هي حالة اشتراط السلامة، هذه الصورة عرض لها بعض الإخوان، والحنفية اهتموا بها، ومنعوا الاتفاق على أن العلاج مشروط بالسلامة؛ لأن هذا أمر ليس في وسع الطبيب؛ لأنه إذا اتخذ الإجراءات المعهودة فنياً، وأخذ الاحتياطات الكافية، هناك عناصر خارجية تدخل في الموضوع، وهي تحمل المريض وظروفه التي قد تخفى مهما أجريت من فحوص واحتياطات، فهذه السراية أو المضاعفات كما تسمى الآن لا تدخل في الضمان وإنما يعفى عنها إذا كان الطبيب قد راعى الأصول الفنية.
أما المسؤولية الجنائية فالأصل أن الطبيب يمارس مهنة واجبة عليه وجوباً كفائياً، والواجب كما جاء في القاعدة: لا يتقيد بشرط السلامة، لكن بما أنه يقوم بأعمال فيها ما يشبه الجناية، وقد يدخل فيها قصد سيئ أو مغرض أو خطأ أو جهالة، لذلك كان لابد من مراعاة الشروط لإعفائه من المسؤولية، وهذه الشروط هي أن يكون طبيباً عن معرفة ودراية، لا عن زعم وادعاء، ولا يكفي الشهرة، ولابد أن تكون هناك خبرة حقيقية.
ثانياً: أن يأتي الفعلة بقصد العلاج وبحسن نية، أو بقصد تنفيذ الواجب الشرعي إذا كان الطبيب قد كلف بإقامة حد أو قصاص.
ثالثاً: أن يعمل طبقاً للأصول الفنية التي يقررها فن الطب وأهل العلم، فيما لم يكن كذلك فهو خطأ جسيم يستوجب المسؤولية.
رابعاً: أن يأذن له المريض أو من يقوم مقامه كالولي.
النقطة الثانية: أخلاقيات الطبيب، وقد تم التوسع في أهمها، وهو عدم إفشاء أسرار المرضى، ولكن إلى جانب هذا هناك أمور أخرى نبه إليها من كتبوا في علم الحسبة، وأوسع من كتب في ذلك تقي الدين السبكي العالم المعروف في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم) ، فقد بين في كلمات قصيرة معدودة ما ينبغي للطبيب أن يراعيه فقال: من حق المريض على الطبيب أن يبذل له النصح، وأن يرفق به، وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطيف من القول، وله النظر إلى العورة عند الحاجة بقدر الحاجة، وأكثر ما يؤتى الطبيب من عدم فهمه حقيقة المرض، واستعجاله في ذكر ما يصفه، وعدم فهمه مزاج المريض، وجلوسه لطب الناس قبل استكماله الأهلية، وعليه أن يعتقد أن طبه لا يرد قضاء ولا قدراً، وأنه إنما يفعل ذلك امتثالاً لأمر الشرع، وأن الله تعالى أنزل الداء والدواء.