الأمر الثاني: كذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه كان عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم كجزء من خدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته زينب زوجة عبد الله بن مسعود فقالت: اسأل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها لزوجها؟ فدخل رضي الله عنه وأرضاه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأة بالباب تسأل، فقال: من هي؟ قال: زينب، قال: أي الزيانب؟ فأخبر رضي الله عنه وأرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ بسرية ما ألزمته هذه المرأة؛ وذلك لأنه رأى أن المصلحة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
جانب آخر وهو السرية التي ينبغي أن تلاحظ، رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعث حذيفة بن اليمان في غزوة الأحزاب ليأتي بخبر القوم، قال له: إياك أن تحدث شيئاً، فذهب رضي الله عنه وأرضاه وكان منه ما كان، وكان قد تهيأت له فرصة أن يفتك بأبي سفيان ولكنه ذكر ما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يحدث شيئاً، فكان هذا منه كتماناً للسر وكتماناً لمغزى القضية التي أرسله صلى الله عليه وسلم فيها، فالحاصل أن السر ينبغي أن لا يكون على إبلاغه، بل إذا كان الاجتهاد يقتضي أن المصلحة الغالبة تقتضي إفشاء السر فيتعين، وإذا كان غير ذلك فيتعين كتمانه؛ امتثالاً للأصل العام في أنه ينبغي ستر أمور المسلمين وألا تفشى عيوبهم.
ما يتعلق بقاعدة المباشر والمتسبب، في الواقع هي قاعدة شرعية، لكنها لا تعين المسؤولية على المباشر مطلقاً، ولا على المتسبب مطلقاً، وإنما هناك نظر اجتهادي، فقد يكون على المتسبب منه مسؤولية الشيء الكثير، وقد يكون المباشر سليماً من المسؤولية، وهذه المسألة بحثها ابن رجب رحمه الله في قواعده بحثاً جيداً، فلعل من يريد الاستزادة الرجوع إليها.
ما يتعلق بخطأ الطبيب، فالواقع أن الطبيب ينبغي أن يكون ذا أهلية بارقة، وألا يكون مقصراً، متعدياً أو مفرطاً، فإذا كانت هذه الشروط مستكملة في حقه، ولم يكن منه إلا سراية هذا العلاج، فالواقع كذلك ليس مسؤولاً عن هذه السراية ولا يعتبر مخطئاً، أما إذا كان مؤهلاً للطب لكن وجد منه التساهل، التقصير، التعدي، ولو كان في قمة الخبرة والأهلية فهو في الواقع مسؤول مسؤولية توجب عليه ضمان ما نتج من تصرفه الخاطئ.