للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه (القواعد العامة) (١) مثل رضا المتعاقدين ومعرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة، وأن يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء حقيقة، وأن تكون المنفعة مباحة لا محرمة، لها أهميتها عند الشروع في التحليل الاقتصادي في مجال العمل البشري أو غيره، أما الوجه السلبي فهو أن هذه المعالجة الإجمالية لم تعط الفرصة لمعالجة إجارة العمل بالشكل المناسب أو الكافي، ولا شك أن ظروف الطلب على العمل وعرض العمل في السوق تختلف تماماً عن ظروف الطلب والعرض للمساكن أو للأراضي، وعلى أية حال فإنه يقع على الباحث المعاصر مهمة استخلاص القواعد العامة والخاصة التي تحكم إجارة العمل من التراث الفقهي الإسلامي: وأن يرى كيف يمكن الاستفادة منها، وربما اقتراح كيفية تطويرها حتى تتحقق مقاصد الشريعة في ظروف العصر.

جاء في العدة –شرح العمدة في فقه الإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه) - أن الحاجة تدعو إلى المنافع (الخدمات) كالحاجة إلى الأعيان (السلع في التعبير الحديث) ، وأن الإجارة عقد على المنافع (٢) وقال: (ولا تصح (الإجارة) إلا على نفع معلوم؛ إما بالعرف كسكنى دار، أو بالوصف كخياطة ثوب معين أو بناء حائط أو حمل شيء إلى موضع معين، وضبط ذلك بصفاته أو معرفة أجرته، وقال: يشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع) (٣)

وفي الفتاوى فرق ابن تيمية (رضي الله عنه) بين أنواع من الإجارة، قال: (لفظ الإجارة فيه عموم وخصوص، فإنها على ثلاث مراتب: إحداها أن يقال لكل من بدل نفعاً لعوض فيدخل في ذلك المهر.. والمرتبة الثانية الإجارة التي هي جعالة، وهو أن يكون النفع غير معلوم لكن العوض مضمون، فيكون عقداً جائزاً غير لازم (٤) ... والثالثة الإجارة الخاصة، وهي أن يستأجر عيناً أو يستأجره على عمل في الذمة، بحيث تكون المنفعة معلومة، فيكون الأجر معلوماً والإجارة لازمة، وهذه الإجارة التي تشبه البيع في عامة أحكامه، والفقهاء المتأخرون إذ أطلقوا الإجارة أو قالوا: باب الإجارة، أرادوا هذا المعنى، وأضاف: (إن الإجارة الخاصة (وهي موضع اهتمامنا في هذا البحث) يشترط فيها ألا يكون العوض غرراً قياساً على الثمن، فأما الإجارة العامة التي لا يشترط فيها العلم بالمنفعة فلا تشبه هذه الإجارة كما تقدم فلا يجوز إلحاقها به) (٥)


(١) انظر خلاصة هذه القواعد في: السيد سابق، فقه السنة، المجلد الثالث (الأجزاء ١٢، ١٣، ١٤) ، دار الكتاب العربي، بيروت (الطبعة السابعة ١٩٨٥) ص ١٨١، ص ١٨٣ في شروط صحة الإجارة
(٢) العدة – شرح العمدة في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل الشيباني – تأليف بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، المطبعة السلفية، الطبعة الثانية، القاهرة ١٩٨٢هـ، انظر ص ٢٦٧
(٣) العدة – شرح العمدة ص ٢٦٨
(٤) وشرح ذلك بقوله: (مثل أن يقول: من رد لي عبدي فله كذا فقد يرده من مكان بعيد أو قريب؛ انظر الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة المثنى – بغداد: ٣/ ٣١٢
(٥) الفتاوى الكبرى ص ٣١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>