للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأهم ما يفهم من الحديث الأول (القدسي) أن العلاقة بين صاحب العمل والأجير محددة، وذلك يفهم من قوله تعالى: ((رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه)) أي استوفى منه ما كلفه به أو اتفق عليه معه من عمل، ((و ((لم يعطه أجره)) )) أي أجره الذي تعين له بالاتفاق عند التعاقد على العمل، واللفظ (أجره) وليس (الأجر) مما يعني أنه حقه المخصص له حينما ينجز ما طلب منه، وهكذا فإن الأجر ثمن مؤجل لمنفعة العمل، ويصبح حقاً خالصاً للأجير وفقاً لما تم عليه الاتفاق عند الانتهاء من العمل، وبشاعة الجرم عند الله عز وجل أن يستوفي صاحب المصلحة منفعة العمل من الأجير ثم لا يوافيه أجره عند استحقاقه له، وهذا يشبه من اشترى سلعة مقابل ثمن مؤجل، فإذا حل تاريخ الاستحقاق رفض أن يدفع الثمن للبائع، وفي الحديث الثاني المتواتر ((أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)) تصريح واضح بأن الأجر حق خالص للأجير (حقه) وأنه يستحقه عند الانتهاء من العمل المكلف به، بل وإن التعجيل بالأجر قرب الانتهاء من هذا العمل أفضل، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أجره)) يفيد كون المراد بالأجر المأمور بإعطائه الأجر المسمى للأجير عند الاتفاق على العمل وليس (الأجر) الذي يراه المستأجر عند نهاية العمل، وروى البخاري ((أن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر رجلاً من بني الديل يقال له: عبد الله بن الأريقط وكان هادياً خريتاً، أي ماهراً)) ، كذلك روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ((احتجم وأعطى الحجام أجره)) ، وهكذا تدل النصوص في الكتاب الكريم والسنة المطهرة على مشروعية الإجارة والقواعد العامة التي تحكمها.

ولقد اجتهد الرواد الأوائل من فقهاء المسلمين في بيان المسائل الخاصة بإجارة العمل، وذلك تأسيساً على النصوص الواردة في الكتاب والسنة، وأخذاً في الاعتبار ظروف الأعمال والأجراء التي عاصروها، ويلاحظ أن الاجتهادات الخاصة بإجارة العمل واردة في باب الإجارة بصفة عامة، وهكذا بحثت إجارة العمال مع إجارة المساكن والأراضي والدواب، ولقد كان لهذا الخلط بين إجارة العمال مع غيرهم وجهان أحدهما إيجابي والثاني سلبي، وذلك من وجهة نظرنا الاقتصادية التحليلية، أما الوجه الإيجابي فهو أن الفقهاء (رضي الله عنهم) بمعالجتهم لمنافع العمل البشري مع منافع الدور والأراضي وغير ذلك في إطار واحد تمكنوا من وضع (قواعد عامة) تحكم إجارة المنافع [والتي نسميها (خدمات) في التعبير الاقتصادي المعاصر] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>