أما الشرط الثاني الكافي لنجاح السياسة فهو قيام الهيئة العليا للأجور والأسعار (التي سبق اقتراحها) بوضع برنامج زمني لتنفيذ هذه السياسة في إطار السياسة الاقتصادية الكلية للدولة، والتي يفترض أن من أهدافها الرئيسية تحقيق النمو أو التنمية الاقتصادية في ظل أقل معدل ممكن للتضخم وأعلى مستوى ممكن للتوظف، والتقيد بالسياسة الاقتصادية الكلية للبلد قد يستدعي العمل على ارتفاع الأجور بمعدلات تقل عن معدل الارتفاع في الأسعار، والتمييز بين الانشطة المختلفة داخل الاقتصاد بالنسبة للمعدلات التي ترتفع بها الأجور وفقاً للتغيرات في الإنتاجية، وتحديد الآلية التي يتم بها تنفيذ سياسة ربط الأجور، الأنشطة التي تبدأ قبل غيرها في رفع الأجور والتدرج المطلوب في التنفيذ، ويتطلب تنفيذ سياسة ربط الأجور بالأسعار في هذا الإطار الكلي تنظيم لقاءات بين أصحاب الأعمال والعمال في الأنشطة المختلفة والترتيب للمفاوضات بينهم في حالة الاختلاف والتدخل للتحكيم كلما لزم الأمر، وكلما كانت الهيئات الممثلة لأصحاب الأعمال والعمال أكثر وعياً بالصلة الوثيقة بين سياسة (الأجور / الأسعار) والسياسة الاقتصادية الكلية للبلد كلما قلت الآثار السلبية أو الجانبية المترتبة على هذا العلاج المقترح.
السياسات المكملة للعلاج المقترح:
يندر أن يؤدي نوع واحد من السياسات الاقتصادية دور العلاج الناجع الكامل لمشكلة ما على المستوى الكلي كما سبق وذكرنا، وقد لاحظنا من قبل ضرورة تنفيذ السياسة المقترحة لربط الأجور بتغيرات الأسعار من خلال السياسة الاقتصادية الكلية، لذلك سوف ترتبط سياسة (الأجور / الأسعار) بالسياسات النقدية والمالية وسياسة التنمية والتوظف.
من الصعب مثلاً أن نتصور جدية سياسة ربط الأجور بالأسعار ما لم تكن هناك سياسة نقدية تعمل على تنظيم عرض وتدفقات كمية النقود داخل الاقتصاد، فالزيادة في عرض وتدفقات النقود بمعدلات تفوق زيادة الناتج الحقيقي على المستوى الكلي سوف تغذي التضخم وتزيد من حدته، كذلك تؤدي سياسة عجز الموازنة العامة إلى التضخم، ومن ثم لا بد من الحد من بعض بنود الإنفاق العام غير الضروري، أو زيادة الضرائب على بعض أنواع السلع بغرض مكافحة التضخم (١) .
(١) يمكن للدولة فرض الضرائب على بعض السلع الكمالية أو فوق الكمالية - وهي غير محرمة- وذلك بغرض ترشيد الاستهلاك بالمفهوم الإسلامي ومكافحة التضخم في نفس الوقت، ويلاحظ أن بعض النظريات تعزو التضخم إلى زيادة الطلب أو الإنفاق الكلي، ولكن ينبغي أن يكون لدينا مفاهيم شرعية واضحة عن حق الدولة في فرض الضرائب في مثل هذه الحالة