ومن الضروري أيضاً متابعة الاهتمام بقضية تنمية الناتج الحقيقي الكلي بأعلى معدلات ممكنة في إطار سياسة التنمية؛ حيث إن هذا هو العلاج الهيكلي للتضخم في الأجل الطويل، ويجب أن نتذكر دائماً أن التضخم المستمر هو سبب المشكلة أصلاً..
خاتمة البحث:
العلاج المقترح والعلاج الهيكلي الإسلامي: متفقان أم متعارضان؟
من المعروف أن العلاج المقترح لأي مشكلة واقعية يتقيد بقيود معينة، وفي الفكر الوضعي التجريبي فإن هذه القيود ليست سوى قيود الواقع العملي، أما في الفكر الوضعي المثالي (بغض النظر عن ماهية المثال) فإن القيود تتمثل فيما ينبغي أو ما يجب، وفي مواجهة المشاكل الحالية للبلدان الإسلامية يواجه رجل الاقتصاد الإسلامي مشكلة فكرية أساسية، تتمثل في أن النشاط الاقتصادي ليس محكوماً في الغالب بقواعد الشريعة الإسلامية، وإنما بقواعد وقوانين ونظم وضعية مستوردة من خارج العالم الإسلامي، فتارة تكون هذه رأسمالية النزعة، وتارة غير ذلك.
فهل يمكن طرح علاج إسلامي لمشكلة ما بالرغم من أن الإطار العام غير إسلامي؟ هذا هو السؤال الخطير الذي يواجهه رجال الاقتصاد الإسلامي عند بحثهم لمشاكل مجتمعاتهم المعاصرة، وفريق من الاقتصاديين الإسلاميين يرفض كلية فكرة المعالجة الإسلامية للمشاكل الموجودة في ظل أطر غير إسلامية، ويؤكد على ضرورة تصحيح الهيكل العام للمعاملات وهيكل المؤسسات والنشاط الاقتصادي أولاً وفقاً للشريعة الإسلامية ومقاصدها، بعد ذلك يأتي طرح العلاج الإسلامي لأي مشكلة موجودة أو مستجدة في ظل هذا الإطار، أما الفريق الثاني فيرى أن هناك ضرورة ملحة في علاج المشاكل التي يواجهها المجتمع الإسلامي في إطار ظروفه الحالية. والمنطق الذي يستند إليه الفريق الثاني هو أن الحل الهيكلي الإسلامي قابل للتطبيق على مراحل، وأنه إذا طبق في مرحلة ما في بعض الأمور فإنه يعمل على نقل المجتمع تلقائياً إلى مرحلة أعلى من حيث التطبيق، وهكذا إلى أن يتحقق الهدف الكامل النهائي.
وبينما لا يمكن إنكار أهمية رأي الفريق الأول بضرورة توافر الإطار الشرعي والعقائدي الإسلامي قبل بحث أي مشكلة وتقديم علاج لها، إلا أنه لا يمكن أيضاً التغاضي عن المشاكل الفعلية التي يواجهها المجتمع الإسلامي الحالي والتقليل من أهمية وضرورة علاج هذه المشاكل، فنحن لا نستطيع أن ننكر ضرورة بل وحتمية التصحيح الهيكلي لأوضاع المجتمعات الإسلامية القائمة، ولكن من الخطورة أيضاً بمكان أن نتغاضى عن مشاكل قائمة يعاني منها المسلمون بسبب الظن بأن بالإمكان الانتقال إلى وضع أمثل مرة واحدة، دون مقدمات أو مراحل انتقالية، وفي رأينا أن النظرة المتوازنة للأمور تقتضي النظر في المشاكل الراهنة القائمة في بلدان المسلمين، والعمل على علاجها مهما كانت أسباب هذه المشاكل، فالعلاج طالما يتم من منطلق الاعتماد على الشريعة الإسلامية، يعني ترك الخطأ أو التصحيح، ويعني خطوة للأمام في الاتجاه الصحيح، وعلينا أن نضع نصب أعيننا أن يكون أي علاج مقترح وسيلة تدريجية لتحقيق العلاج الهيكلي المطلوب في الأجل الطويل.