للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن مشكلة الأجور الحقيقية وتعرضها للتدهور المستمر على مدى الأجل الطويل بسبب التضخم –مما يعني الإخلال بحقوق العمال والانحراف عن مبدأ العدالة - قد نشأت نتيجة ظروف عديدة، منها سوء الإدارة النقدية والمالية، أو عدم القدرة على مواجهة التصرفات الاحتكارية، أو العجز المستمر في موازين المدفوعات أو جمود النشاط الإنتاجي، وغير ذلك من الأسباب التي تقف وراء ظاهرة التضخم المستمر، وبالنسبة لمن ينادون بالعلاج الإسلامي الهيكلي أولاً فإنهم يميلون إلى الاعتقاد بأن هذا العلاج سوف يضمن التخلص من معظم الظروف المذكورة، ومن ثم فإن المشاكل المترتبة عليها سوف تختفي أو تقل حدة تدريجياً.

ولكن الواقع أن تطبيق الشريعة الإسلامية بينما يضمن التخلص من بعض هذه الظروف المشار إليها، إلا أنه لا يضمن بالضرورة الخلاص منها، هذا أمر يجب أن يعيه تماماً من يطالبون بالعلاج الهيكلي أولاً؛ ذلك لأنه حتى بفرض تطبيق الشريعة الإسلامية ووضع القواعد الملائمة للتنظيم الاقتصادي الإسلامي، فإن مشاكل معينة تظل متعلقة بطبيعة الحياة الاقتصادية وسلوك الأفراد الذي لا نستطيع أن نفترض كماله، فمن الممكن جداً أن تخفق حكومة إسلامية ملتزمة بالشريعة في إدارة العرض الكلي للنقود وذلك من منطلق قلة الخبرة، ومن الممكن أن يضع أحد وزراء المالية في ظل نظام اقتصادي إسلامي له قواعده المعروفة سياسة مالية فاشلة تتسبب في التضخم.. من الذي يستطيع أن يزعم أن حكومة ما ستكون في مأمن من الخطأ لأنها تعمل في إطار إسلامي؟ إن السلوك الرشيد بصفة عامة والالتزام بقواعد الاقتصاد الإسلامي سيؤدي إلى تقليل الأخطاء الاقتصادية، ولكنه لا يعني ضمان عدم وقوعها.

والرأي عندنا أن معالجة مشاكل الأجور في إطار ظروفنا الحالية أمر جوهري لكي لا تزداد المشاكل سوءاً في عالمنا الإسلامي، وحتى لا نتهم بأننا غارقون في مثالية خيالية، وهذا لا يعني أبداً أن نهمل أو نتهاون في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للعلاج الهيكلي الشامل، وأن نعمل بكافة الطرق على جعل العلاج الجزئي حلقة من العلاج الكلي وخطوة من الخطوات على الطريق الصحيح، أما ترك العلاج الجزئي أو المرحلي بدعوى التمسك بالحل أو العلاج الهيكلي وحده، ورفض أي شيء دونه فهو في رأينا نوع من السلبية الخفية التي يتذرع بها البعض ممن يعجزون عن مواجهة الواقع.. الواقع الذي واجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قديماً فأصلحه على مراحل بقرآن وسنة وعمل صالح وجهاد واجتهاد، والواقع المر الذي لا بد أن نواجهه الآن حتى نصلحه قدر استطاعتنا كلما استطعنا، وإلا فإنه سوف يستمر ويستمر بلا إصلاح، فتكون له آثار خطيرة على الأمة، تم بحمد الله.

د. عبد الرحمن يسري أحمد

<<  <  ج: ص:  >  >>