للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق أن كانت هناك محاولات متعددة من قبل الاقتصاديين المهتمين بالاقتصاد الإسلامي، لكن الأمر ما زال في حاجة إلى المزيد من الجهود لاستجلاء أبعاده من الناحية الاقتصادية والناحية الشرعية.

وبالرغم من أن الأهداف التي قدم من أجلها هذا البحث هي التعرف على آثار المعدلات المرتفعة للتضخم على الأطراف المتعاملة وكذلك على النقود وعلى الاقتصاد القومي عموماً. وعلى كيفية التعامل مع التضخم المرتفع في بعض البلدان التي عايشته. والإجابة على تساؤلين هما: هل هناك معيار شرعي للتفريق بين التضخم العادي والتضخم المرتفع بما يواكب العصر الحاضر؟ وهل يؤثر ارتفاع معدل التضخم على الحكم الشرعي المتعلق بربط الديون والعقود الآجلة بتغير المستوى العام للأسعار؟ بالرغم من هذا إلا أنه من باب العرض المتكامل للموضوع، ومن ثم المزيد من الفائدة فإن الهدف لن يقف عند ذلك، بل يتعداه إلى استعراض سريع لمفهوم التضخم وأسبابه وآثاره وعلاجه، وكذلك استعراض موقف الاقتصاديين الإسلاميين من سياسة الربط القياسي، ولتحقيق هذه الأهداف فإن البحث يحتوي على العناصر التالية:

١- أساسيات التضخم.

٢- الاقتصاد الإسلامي والتضخم.

٣- الفقه الإسلامي ومشكلة التضخم.

٤- الاقتصاد الوضعي وسياسية الربط القياسي.

٥- الاقتصاديون الإسلاميون وسياسة الربط القياسي.

٦- الفقهاء القدامى وعملية الربط القياسي.

٧- منهج التعرف على الحكم الشرعي للربط القياسي.

٨- ما نراه حيال موضوع التضخم والربط القياسي.

١ - أساسيات التضخم

١ - ١ مفهوم التضخم: مما يعرفه الاقتصاديون جيداً أنه ليس هناك تعريف واحد للتضخم، بل إن هناك تعاريف عديدة كل منها ينطلق من زاوية من زوايا التضخم، كما أنه ليس هناك تعريف من هذه التعاريف لا ترد عليه ملاحظات، تكثر أو تقل. ومرجع ذلك كله تعقد ظاهرة التضخم وتنوع وتداخل عواملها، وتشعب آثارها. (١)

وأظن أننا هنا لسنا مطالبين بتقصي هذه المسألة والخوض العميق في لجتها. ويكفينا أن نذكر تعريفين للتضخم لهما شهرتهما ولهما حظ واسع من الاعتراف والقبول. رغم ما فيهما من ثغرات.

التعريف الأول: التضخم ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار. وحيال هذا التعريف من المهم أن نلاحظ عدة ملاحظات، الأولى: أن التضخم هو عملية الارتفاع السعري، وليس هو أسعار مرتفعة. والثانية: استمرارية هذه الارتفاعات. والثالثة: أن كل ارتفاع ليس هو الأسعار المطلقة ولا الأسعار النسبية، وإنما هو المستوى العام للأسعار.

التعريف الثاني: التضخم انخفاض مستمر في سعر النقود، أو في قيمة النقود، أو في القوة الشرائية للنقود.

وبتأمل اقتصادي بسيط نجد مضمون التعريفين واحداً، رغم ما قد يكون لكل منهما من نكهة متميزة.


(١) لمزيد من المعرفة يراجع: بنت هانسن: مشكلات التضخم في البلاد الصغيرة، ترجمة د. صلاح الصيرفي، نشر معهد الدراسات المصرية، القاهرة؛ كروين: التضخم، ترجمة د. محمد عزيز، نشر جامعة قاريونس، ليبيا، ١٩٨١م (ص ٢١) وما بعدها؛ مايكل أبدجمان: الاقتصاد الكلي، ترجمة د. محمد إبراهيم منصور، دار المريخ، الرياض، (ص ٣٦١) ، وما بعدها؛ د. نبيل الروبي، التضخم في الاقتصاديات المتخلفة، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، (ص ١٢) وما بعدها؛ د. فؤاد هاشم: اقتصاديات النقود والتوازن النقدي؛ ١٩٥٩م، (ص ٢٠٦) ؛ د. مصطفى رشدي: التحليل النقدي ونظرية الدخل القومي، الإسكندرية، ١٩٧١، T. Killick, Policy Economics, Heinemann, London: ١٩٧١, P. ١٥٨. (ص ٦٢) W. C. Peterson, Income, Employment and Economic Growth, N. Y: W.W. Norton & Company, ١٩٧٨, PP. ٤٦٣ - ٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>