للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبل أن نتناول هذه الآثار السلبية قد يكون من المفيد الإشارة إلى ما يطرحه بعض الاقتصاديين من ضرورة التمييز بين التضخم المتوقع والتضخم غير المتوقع، ذاهباً إلى أن الكثير من تلك الآثار إنما يعود فقط من جراء التضخم غير المتوقع. (١) ومع التسليم بذلك ولو جزئياً إلا أنه من المهم التأكيد على صعوبة وتعذر توقع التضخم بشكل دقيق أو قريب منه في الكثير الغالب من الحالات.

فكثيراً ما لا يمكن توقعه، وأحياناً كثيرة يخيب التوقع، فلا يحدث التضخم مع توقعه، أو لا يحدث بنفس درجة التوقع، إنما قد يكون أقل أو أعنف، وفي كل ذلك يكون التضخم الواقع غير متوقع. وهنا نجد أن عملية التوقع وما يترتب عليها من إجراءات قد تحدث آثاراً سلبية ضارة في حد ذاتها على الاقتصاد القومي وعلى أطراف المعاملات، وعموماً فإن هناك اتفاقاً بين الاقتصاديين على أن للتضخم آثاراً متعددة يمكن ذكر أهمها فيما يلي:

١- تدني كفاءة العملة في قيامها بوظائفها، (٢) فمن المتعارف عليه أن للنقود وظائف فنية أربعاً؛ وسيط في المبادلة، ومقياس للقيمة، ومخزن للقيم، ووسيلة للمدفوعات الآجلة، ومن الملاحظ أن كل هذه الوظائف على درجة كبيرة من الأهمية في ظل اقتصاد نقدي؛ إذ إن تحقق هذه الوظائف على الوجه الأمثل يعد أحد الشروط الضرورية لعمل مثل هذا الاقتصاد بكفاءة عالية، ومما يلاحظ كذلك أن هذه الوظائف أو على الأقل الثلاث الأولى منها بينها قدر كبير من التلازم، بمعنى أن قيام الشيء بوظيفة منها يستدعي عادة قيامه ببقية الوظائف، ومن ثم فإنه من الصعب قبول مقولة: إن النقود تفقد وظيفتها كمخزن للقيم وتظل تمارس بقية الوظائف مثلاً. (٣)

ومن المتعارف عليه أن التضخم يجعل النقود لا تؤدي تلك الوظائف بكفاءة، وكلما اشتد كلما فقدت النقود أهليتها للقيام بوظائفها، إلى أن تفقد أهليتها كاملة، بمعنى أن تصبح غير مقبولة بين الناس كوسيط للمبادلة، ومن ثم كوحدة للحساب، ومن ثم كمخزن للقيم، ومن باب أولى كوسيلة للمدفوعات الآجلة، كل ذلك عندما يشتد التضخم ويجمح حيث تفقد النقود قيمتها النقدية (القوة الشرائية العامة) (٤) وعند ذلك فإن الأمر ينتهي بإبطال هذه العملة وإصدار عملة جديدة مكانها، وقد حدث ذلك في المجتمع الإسلامي أكثر من مرة كما حدث في العديد من المجتمعات الأخرى. يقول المقريزي: (أصبح ينفق أحدهم مئة درهم على ما كان ينفق فيه من قبل عشرين درهماً) (٥)

٢- إعادة توزيع الدخل والثروة بين الأفراد والدولة من جهة وبين الأفراد وبعضهم البعض من جهة أخرى.


(١) باري سيجل، مرجع سابق، ص ٥٩١ وما بعدها؛ كروين، مرجع سابق، ص ١١١ وما بعدها، أبدجمان، مرجع سابق ص ٣٦٧ وما بعدها.
(٢) باري سيجل، مرجع سابق، ص ٥٩٩ R. J. Ball, Op cit., P. ٢٦٢. د. نبيل الروبي، مرجع سابق، ص ٣٣٧.
(٣) باري سيجل، مرجع سابق، ص ١٣ وما بعدها
(٤) المقريزي: إغاثة الأمة، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ١٩٧٥م؛ د. محمد عجمية، د. محمد محروس: فصول في التطور الاقتصادي، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، ص ١١٢ – ١٢٦؛ د. محمد زكي شافعي، مرجع سابق ص ٨٩
(٥) الإغاثة، ص ٧٥. ومعنى هذا أن قيمة النقود أصبحت ٢٠ % من قيمتها قبل التضخم، ومعنى ذلك أيضاً أن الرقم القياسي أصبح ٥٠٠ %.

<<  <  ج: ص:  >  >>