للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- ٦- مدى إمكانية الاتفاق والتراضي بين الطرفين عند السداد:

بدراستنا لأقوال الفقهاء في هذه المسألة لفت نظرنا مسألة قد تكون لها أهميتها الكبيرة في موضوعنا هذا، وهي أن الكثير منهم كان يشير إلى حالتين: حالة الإجبار والإلزام، وذلك عند عدم اتفاق الطرفين على حل ما، وحالة التراضي والاتفاق الثنائي، وما مضى من أقوال لهم ينصرف إلى الحالة الأولى، ويبقى التساؤل: هل هناك إمكانية بين الطرفين للتراضي والاتفاق فيما بينهما على موقف ما عند حلول موعد السداد؟ إن أهمية بحث هذه المسألة تكمن في فتح المزيد من المخارج وعدم الانحصار في مسلك واحد قد تكون له سلبياته الكبيرة، خاصة إذا ما وضعنا نصب أعيننا أن مقصد الشريعة تجاه المعاملات المالية –كما أفهمه- هو تيسيرها إلى أقصى حد ممكن لما لها من أهمية قصوى في حياة الناس، في إطار من العدالة وعدم الظلم والضرر، تكفلت الشريعة نفسها بوضع معالم هذا الإطار وضوابطه وحدوده، وما من عقد مالي إلا ونجد اشتراط الفقهاء حياله بألا يحتوي على ما يؤدي إلى المنازعة والاختلاف، لما في ذلك من تضييق وعرقلة لمهمة التبادل التي لا يستغني عنها الناس، وفي سبيل تحقيق هذا المطلب وجدنا الضرر اليسير يحتمل، ووجدنا الغبن اليسير، بل الكثير بضوابط معينة عند بعض العلماء هو الآخر يحتمل، ووجدنا العيوب اليسيرة الهينة لا تعرقل في معظم الحالات إتمام الصفقات ونفاذها. والباحث في هذه المسألة التي نحن بصددها لا يفتي ولا يصدر أحكاماً وإنما يضع بعض عبارات الفقهاء تحت النظر لمن لديه القدرة على استخراج ما وراءها من مضامين وما يمكن أن يستنبط منها من أحكام. يقول الإمام السيوطي في معرض حديثه عن هذا الموضوع: (وقولي: فالواجب إشارة إلى ما يحصل عليه من الجانبين، هذا على دفعه وهذا على قبوله، وبه يحكم الحاكم، أما لو تراضيا على زيادة أو نقص فلا إشكال، فإن رد أكثر من قدر القرض جائز بل مندوب، وأخذ أقل منه إبراء) ، ويحسن أن أنقل بقية عبارته لما فيها من فوائد أخرى (فإذا اقترض منه رطل فلوس فالواجب رد رطل من ذلك الجنس سواء زادت قيمته أو نقصت ... وقولي: من ذلك الجنس احتراز من غيره؛ كأن أخذ بدله عروضاً أو نقداً ذهباً أو فضة، وهذا مرجعه إلى التراضي أيضاً، فإنه استبدال، وهو من أنواع البيع ولا يجبر فيه واحد منهم، فإن أراد أخذ بدله فلوساً من الجدد المتعامل بها عدداً فهل هو من جنسه لكون الكل نحاساً أو لا لاختصاصه بوصف زائد وزيادة قيمة؟ محل نظر، والظاهر الأول، لكن لا إجبار فيها لاختصاصها بما ذكر، فإن تراضيا على قدر فذاك) . (١) وللفقهاء كلامهم المطول حيال عمليات الوفاء والاستبدال وشروط صحتها. ولسنا هنا في ضرورة للدخول في تفاصيل ذلك، ولكنا فقط نشير إلى أنه عند حلول موعد الوفاء يمكن أن يتم التراضي بشرط مراعاة الشروط المتعلقة بها، ونحن في حاجة إلى بحث فقهي مستقل عن موضوع استيفاء الحقوق، وما يجوز وما لا يجوز فيها. (٢)


(١) السيوطي: الحاوي، مرجع سابق: ١/٩٧
(٢) مع الإشارة إلى ما قد يكون هنالك من أبحاث لم أطلع عليها إضافة إلى بحث طيب اطلعت عليه للدكتور نزيه حماد بعنوان (التصرف في الدين) ضمن كتاب دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي، الطائف، دار الفاروق، ومع ذلك فأعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من الأبحاث في هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>