للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما يكن من أمر فمن الناحية الفقهية لو اقتصرنا على مضمون القول الثالث فإن المعدل المعول عليه للتضخم هو مثل هذه المعدلات البالغة الارتفاع، أما لو نظرنا في مواطن فقهية أخرى ذات صلة بموضوعنا مثل الجوائح والعيوب الغبن، فإننا نجد الأمر يختلف؛ حيث يذهب فريق من الفقهاء إلى أن المعول عليه في التفرقة بين اليسير والكثير في تلك المواطن هو غالباً الثلث؛ ومعنى ذلك أن معدل التضخم المرتفع هو الذي يفقد النقود ثلث قيمتها فأكثر، ومعنى ذلك أن يصبح الرقم القياسي للأسعار حوالي ٣٠٠ % وعند ذلك يكون معدل التضخم هو ٢٠٠ %، والفريق الآخر من الفقهاء يرى أن الحدود الفاصلة في تلك المواطن بين اليسير والكثير يرجع فيها إلى أهل الاختصاص فما يعدونه عالياً فهو عال بغض النظر عن كونه الثلث أو أكثر أو أقل، والمشكلة هنا أن أهل الاختصاص لا يتفقون على معيار فاصل بين التضخم العادي والتضخم المرتفع، بل لم يقدموا أصلاً مثل هذا المعيار حتى مع عدم الاتفاق على قبوله، فيما اطلعت عليه، وذلك باستثناء أرثر لويس (١)

ولو أخذنا بمعيار فقدان القيمة أو معيار نقصانها بمقدار الثلث فأكثر فإن معدلات التضخم التي تترجم هذه المعايير هي من الارتفاع بمكان حيث لا تقل عن ٢٠٠ %، وهذا من المنظور الواقعي ربما كان حالة استثنائية وليس عادية (٢) مع ملاحظة ضرورة التنبه لكون هذه المعدلات عادة ما تكون سنوية، وحيث إن الديون مثلاً قد تكون لمدة أكبر من عام، وكذلك مؤخر الصداق والمعاشات، فلابد من مراعاة التضخم بين لحظة ثبوتها ولحظة وفاتها مهما كانت المدة.

وبأخذ ذلك في الحسبان فإن الموقف قد يختلف، فمثلاً لو كان هناك دين لمدة خمس سنوات وكان معدل التضخم السنوي هو ٥٠ % فمعنى ذلك أن معدل التضخم بين لحظة ثبوت الدين ولحظة سداده ليس ٥٠ %، وإنما هو حوالي ٢٥٠ %، فلو نظرنا إليه كمعدل سنوي فهو قليل لا يعول عليه، ولو نظرنا إليه خلال فترة الدين كلها فهو معدل مرتفع، ومن الواضح أن النظر الفقهي الصحيح هو ما ينظر إلى لحظة الثبوت ولحظة السداد ويراعي الفترة بينهما مهما كانت.


(١) حيث يصنف التضخم من حيث درجاته ومدى حدته إلى: تضخم زاحف، يتميز بزيادات متتالية في الأسعار لكنها غير عنيفة، ومنه يتولد ما يعرف بالتضخم العنيف، وحدد بدايته بتواجد معدل للتضخم يساوي ٥ % سنوياً لمدة أربع سنوات متتالية إذا ما تجاوز الاقتصاد ذلك الحد دخل في مرحلة التضخم العنيف الذي يفقد العملة وظائفها الأساسية، وهذا التضخم العنيف بدوره يعد مقدمة للتضخم الجامح الذي يؤدي إلى انهيار النظام النقدي بأكمله كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى A. Lewis, Denelopment Planning, London: Allen, ١٩٥٥, p. ١٣٤
(٢) ومع ذلك فقد تعرضت بعض الدول لمعدلات من التضخم أعلى من ذلك بكثير خاصة بين الحريين، لمزيد من المعرفة انظر د. محمد عجمية، مرجع سابق، ص ١١٣ وما بعدها، وحتى خلال الثمانينات مازالت عدة بلدان تتعرض لمعدلات من التضخم تتكون من عدد من ثلاثة أرقام –١٠٠ فأكثر- ومعظمها من دول أمريكا الجنوبية، انظر الملحق

<<  <  ج: ص:  >  >>