إن هذه الدراسة لوجازتها لم تقدم للقارئ من أبعاد وملامح مشكلة التضخم والتقلبات الحادة في قيم النقود على اختلاف أنواعها إلا النزر اليسير، والمشكلة أعقد بكثير من ذلك، سواء على مستوى الأسباب أو على مستوى الآثار أو على مستوى طرق العلاج، وهي بكل المقاييس أصبحت مزمنة، وقد برهنت كل التجارب حتى الآن على عدم نجاعة وسائل العلاج على اختلاف أنواعها، وإذن ما هو المخرج الحقيقي؟ إن بعض عمالقة الاقتصاد الوضعي اعترف صراحة بأن علم الاقتصاد لم يتمكن حتى هذه اللحظة من إنجاز الدور المناط به، وهو وضع إطار مؤسسي مناسب للنشاط الاقتصادي حتى يتمكن من إشباع الحاجات الإنسانية، وقال في عبارة بالغة الدلالة:(في الوقت الذي تحتفل فيه فرنسا بالذكرى المئوية الثانية لقيام الثورة الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان فإنه يتعين علينا أن نعلن بأن أحد حقوق الإنسان الأساسية هو حقه في الحماية بصورة فعالة من أسلوب عمل اقتصاد السوق، الذي يفتقر إلى العدالة والأمانة)(١)
هل لنا معشر الاقتصاديين المسلمين أن نعي ذلك حق الوعي، وأن نجهر بغير أدنى قدر من التردد بأنه لا مخرج لنا من هذه الموبقات الاقتصادية إلا بالتطبيق الجيد الصحيح لكل مبادئ الاقتصاد الإسلامي؟؟؟ إن الأمر أكبر بكثير من أن يتقلص في النظر إلى مشكلة بذاتها ومحاولة إيجاد حلول لها، إن أبسط ما يوصف به مثل هذا المنهج أنه منهج عقيم.
إننا في حاجة إلى نظرة كلية تعيد تشكيل الحياة الاقتصادية برمتها، نظرة عميقة في نمط الاستهلاك ونمط الإنتاج، ونمط التنمية التي تنشد ونمط المؤسسات الملائمة ونمط العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تشكل البيئة السليمة، ونمط الحكم والعلاقات المتفرعة منه، ونمط الأنظمة واللوائح والتشريعات السائدة، إن انتهاج ذلك كله كما جاء به الإسلام هو المخلص الوحيد لنا من هذه الأمراض الاقتصادية الخبيثة.
(١) موريس آليه، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، انظر محاضرته المشار إليها سابقاً