للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - موضوع البحث ونطاقه

إن الصيغة المألوفة لعقد العمل (إجارة الأجير الخاص عند الفقهاء) يتم فيها تحديد مقدار العمل بالمدة الزمنية وتحدد الأجرة بالنقود، وهذه الصيغة البسيطة متفق على جوازها شرعاً، ولا تثير إشكالاً يقتضي البحث.

وعندما يكون عقد العمل لفترة زمنية طويلة نسبياً، شهوراً أو أعواماً، وتكون الزيادات المطردة في تكاليف المعيشة أمراً متوقعاً، يثور السؤال عن جواز ربط الأجرة النقدية المقبلة في عقد العمل بمستوى تكاليف المعيشة (أو أي مؤشر آخر للمستوى العام للأسعار) ، وهذا هو موضوع البحث الحاضر الذي يهدف إلى التعريف بحقيقة المؤشرات العامة للأسعار، وربط الأجور لها، وببعض التساؤلات الشرعية التي يثيرها ذلك، وما يتصل بالموضوع من مقاصد شرعية عامة ينبغي أخذها في الحسبان للوصول إلى موقف صحيح فقهاً من هذه القضية.

٢- مفاهيم اقتصادية متصلة بالموضوع

يقصد الاقتصاديون بسعر سلعة ما ثمن مثلها في السوق، ويميزون بين هذا السعر، وهو السعر المطلق، والسعر النسبي للسلعة، وهو سعرها المطلق منسوباً إلى (مقسوماً على) متوسط أسعار السلع الأخرى (١) كما يميزون بين الأجر (النقدي) الاسمي وهو الأجر معبراً عنه بالنقود الرائجة في بلد ما، والأجر الحقيقي ويساوي الأجر الاسمي مقسوماً على مؤشر تكاليف المعيشة، وهو نوع من الأرقام القياسية العامة للأسعار.

ويدل التحليل الاقتصادي على أن القرارات الاقتصادية الرشيدة إنما تبنى على الأسعار النسبية للسلع والخدمات، لا على أسعارها المطلقة، وعلى الأجور الحقيقية دون الأجور الاسمية، كما أن الدراسات الاقتصادية العملية تدل على أن السلوك الفعلي للناس قد يبنى مؤقتاً – نتيجة عدم التبصر- على الأسعار المطلقة والأجور الاسمية، لكن هذا الخطأ لا يلبث أن يصحح، بحيث إننا في المدى البعيد لا ينبغي أن نتوقع من الناس إلا أن يبنوا سلوكهم وقراراتهم الاقتصادية على الأسعار النسبية والأجور الحقيقية.


(١) هذا المتوسط يقاس عملياً برقم قياسي عام للأسعار

<<  <  ج: ص:  >  >>