للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو نظرنا إلى المصارف الإسلامية التي تعتمد في تعبئة مواردها على السيولة المالية في منطقة الخليج، لما كان من السهل القول بأن هذه المصارف غيرت طريق انسياب فوائضه المالية في العالم الإسلامي إلى الأسواق المالية الغربية، والسبب واضح؛ لأن هذه المصارف تعتمد أيضاً التمويل على أساس سعر الفائدة، وإن كان ذلك مغطى بأشكال من التصرفات الشرعية كالبيع، وظاهر من مراجعة أشكال الاستثمار في هذه المصارف أن عقداً مثل العقد التلفيقي العصري المسمى (المرابحة للآمر بالشراء) يحظى بحظ الأسد في التعامل.

وما دام هذا السلوك من المصارف الإسلامية يحقق الآثار السلبية الاقتصادية نفسها التي يحققها سلوك المصارف الربوية، فإن للإنسان أن يشك في أن المصارف الإسلامية حققت الهدف بتخليص المجتمع الإسلامي من لعنة الربا.

لا شك أن المخارج الشرعية جزء من الشرع، وقد علم الله نبيين من أنبيائه صورتين لهذه المخارج ذكرهما القرآن الكريم، ولكن هل سلوك المصارف الإسلامية المشار إليه يقع في دائرة (المخرج الشرعي) أم يتجاوز ذلك إلى دائرة (الحيلة الممنوعة) ؟!!، إن الفرق بين المخرج الشرعي والحيلة مثل الخيط الدقيق، ولكنه واضح بحيث يدركه الشخص العادي؛ إذ الاعتبار في ذلك بالغاية، فإذا كانت نتيجة السلوك الوصول إلى محرم أو إلى تحقيق آثاره، فإن السلوك في هذه الحالة يقع في دائرة (الحيلة الممنوعة) وليس في دائرة (المخرج الشرعي) ، وقد وصف الله في القرآن الكريم إحدى هذه الحيل بأنها ظلم للنفس، واتخاذ آيات الله هزواً (الآية ٢٣١ من سورة البقرة) ، وأخبر عن مال الذين استعملوا إحدى الحيل بأنهم مسخوا قردة خاسئين (الآية ٦٥ من سورة البقرة) ، من يوم حرم العمل على اليهود يوم السبت، وهم يرتكبون في كل سبت مخالفات كثيرة، ولكن الذين استحقوا بأن يمسخوا قردة خاسئين هم الذين ارتكبوا المخالفة في صورة تصرف شرعي مباح.

وعقد التحليل في الزواج لا يختلف في صورته ولا في الآثار الفقهية المترتبة عليه عن أي عقد زواج مشروع، ولكن المحلل والمحلل له ملعونان على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولكن ما الذي ألجأ المصارف الإسلامية إلى هذا السلوك؟!!، للإجابة على هذا السؤال يقدم الكاتب الافتراض التالي: لقد تم التركيز من قبل المنظرين للمصارف الإسلامية منذ البداية على أن المشاركة هي البديل للفائدة الربوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>