للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد فشلت هذه الأدلة في إقناع الجماهير بأن التمويل بالقرض هو في عالم، والتمويل بالمرابحة في عالم آخر، في حين أن الناس مقتنعون منذ الدهور السالفة بأن الذي لا يجد النقد اللازم لشراء ما يحتاجه سوف يلجأ إلى دفع ثمن مؤجل أعلى من السعر الحالي في أغلب الأحوال، فماذا هو السبب؟ ولماذا لا يقتنعون؟.

هذا السبب يكمن، فيما نرى، في الفرق بين نظر الجماهير إلى التاجر الحقيقي ونظرهم إلى الممول الذي يتكلف البيع والشراء لأداء وظيفة التمويل، فهذا الأخير لا يتحرك إلا بعد الأمر بالشراء، الأمر الذي يصحبه وعد من قبل الآخر بأنه سوف يشتري نفس البضاعة بثمن محدد، بينما التاجر الحقيقي، في أغلب الأحوال، يتحرك على أساس ظنه بأنه سوف يجد من يشتري منه، إنه يشتري دون أن يأمره أحد بالشراء، ودون أن يضمن له البيع بسعر محدد، وبتعبير آخر: التاجر الحقيقي يعرض نفسه للخطر الحقيقي التجاري، ولكن الممول بالمرابحة لا يتعرض للخطر الحقيقي، أما ما يشار إليه من الخطر الذي يتحمله الذي يمارس بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو خطر ضياع البضاعة في الطريق أو في المستودع قبل تسليمها للعميل، أو الخطر أن تكون البضاعة المستوردة على خلاف الوصف المطلوب ... إلخ، فهو من نوع الخطر الذي يمكن التأمين ضده، مع نقل تكلفة التأمين إلى العميل، وليس من نوع الخطر الحقيقي الذي هو جوهر العمل التجاري الحقيقي، وهناك خطر ظهور عيب خفي في البضاعة، وهذا يمكن نقله جزئياً إلى الصانع الأصلي للسلعة، ونقول: جزئياً؛ لأن العميل قد اشترى السلعة من البنك الممول وهذا يبقى شرعاً مسؤولاً تجاهه، وإن كان يستطيع الرجوع إلى الصانع الأصلي. فإن الربح الذي يحصل عليه التاجر يتكون من عدة عناصر. وإذا لم يمكن الفصل بين هذه العناصر بالفعل فينفع الفصل بينها في التصور. إن هناك جزءاً من ربح التاجر يعوضه عن الخدمات التي تقبل الإجارة مثل تعب السفر ونقل البضائع، وادخارها حتى البيع ... إلخ، فإن هذه الخدمات يمكن للتاجر المنظم أن يستأجر من يقوم بأدائها، وإن ما يبقى من الربح الفعلي يكون مقابل تحمل الخطر الحقيقي الذي يكمن في عرض التاجر ماله لخسارة وعرضه جهده التنظيمي للضياع، الأمر الذي يحدث إذا انخفض سعر البيع إلى أقل من سعر الشراء، ومما يذكر أن سعر البيع لا يكون معلوماً للتاجر وقت شراء البضاعة، والحقيقة أنه لولا هذا الجزء من الربح لما تحرك تاجر، فإنه حتى في الصفقات التي يخسر فيها التاجر، يحركه ما يتوقعه من الربح في المستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>