إن التمويل بالمرابحة لا يعرض مال الممول للخطر؛ فإن هذا المال لا يخلو من أن يكون نقداً في يده، أو ديناً في ذمة العميل، أو سلعاً موعوداً شراؤها بثمن معلوم، ومن ثم يصير التمويل بالمرابحة تمويلاً مضمون رأسماله ومحدد عائده، وهذا هو السبب في عدم قناعة رجل الشارع بأن هناك فرقا جوهرياً بين التمويل بالقرض الربوي والتمويل بالمرابحة، والذي يهمنا في هذه الورقة هو ليس الحكم بسفاهة رجل الشارع أو رشده، ولكن المهم هو الأثر الذي يترتب على هذا الشعور واستمراره، رغم المؤتمرات والندوات، على مصداقية البنوك الإسلامية، التي تكاد أعمالها التمويلية تنحصر في المرابحات، ولما كان موضوعنا اليوم المشكلات التي تعترض البنوك الإسلامية في الوقت الحاضر؛ فليكن الريب في مصداقيتها على رأس هذه المشاكل.
إن التجارة عمل والتمويل عمل، والجمع بينهما مقبول إذا جاء التمويل ضمن عمل تجاري، مثل التاجر الذي يبيع بضاعته بثمن مؤجل، ولا بأس أن يكون الثمن المؤجل هذا أعلى من سعر السوق، فهذا ما جرى عليه العرف وأقره الفقهاء، أما إذا كان التمويل هو الأصل، وجاءت التجارة ضمناً فالمتبادر إلى الذهن أن التجارة ما دخلت في الصورة إلا وسيلة إلى ما كان مرفوضاً؛ وهو تمويل يحقق عائداً محدداً مع ضمان رأس المال.
الافتقار إلى المرونة:
إن التمويل بالمرابحة يعاني من شيء من التصلب الذي لا ينسجم مع طبيعة المشاريع التي يراد تمويلها، فإنه إذا حان وقت السداد لدين المرابحة ولكن التاجر أراد مزيداً من الانتظار قبل أن يعرض البضاعة للبيع، نظراً لنزول السوق وانخفاض الأسعار وتربصاً للارتفاع في الأسعار، فليس له إلا أن يماطل، فالمصرف الإسلامي (البائع بالمرابحة) سوف لا يمدد له؛ لأن التمديد في فترة السداد لا يعود عليه بشيء، وإذا أجبر صاحب المشروع على البيع فربما يخسر ويعجز عن سداد الدين أو بعضه، الأمر الذي يمكن أن يؤديه إلى الإفلاس، ولا يمكن أن يجبر المصرف الإسلامي على التمديد فإنه يستثمر مال الغير وليس من صلاحياته التبرع.
فهل يمكن إيجاد مخرج يزيل هذا التصلب ويعطي المرونة المطلوبة للطرفين؟ وإنه إذا جاز لهما أن ينشئا عقداً جديداً، وهو عقد المضاربة إلى أن تباع البضاعة، فيشتركان في الربح بنسبة يتفقان عليها في العقد الجديد، فقد تنحل المشكلة في أغلب الأحوال، والمعلوم أن الفقهاء لا يجيزون لرأس مال المضاربة أن يكون ديناً؛ سداً للذريعة إلى الربا، فالسؤال المهم: هل توجد هذه المفسدة في الشكل المقترح؟ وهل المصلحة المقصودة يمكن أن ترجح على المفسدة المحتملة؟.