للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى في معرض الفداء مشيرا إلى أغلى ما يملكه الإنسان وهو الذهب وإنه لو ملك منه ملء الأرض لرضي ببذله فداء له لما حل به من سوء العذاب قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران: ٩١] .

ولما في الذهب والفضة من الإغراء للنفوس البشرية فقد جعلهما الإنسان أكثر إيثارا من غيرهما من المعادن الأخرى في اتخاذ زينته منهما. ولحكمة ربانية تقتضي كبح النفس البشرية عن التجبر والتكبر والطغيان فقد حرم الله تعالى على الرجال اتخاذهما زينة لهم إلا ما استثنى. وذكر صلى الله عليه وسلم تعليل التحريم بأن فيهما كسرا لقلوب الفقراء، ولما فيهما من الإغراء والتمتع بالتزين بهما ولأن النساء في وضع يقتضي تمكينهن من أسباب تعلق الرجال بهن فقد أباح للنساء اتخاذهما حليا لزينتهن أمام أزواجهن وحرم ذلك على الرجال. كما حرم تعالى اتخاذ الأواني المنزلية والتحف الجمالية منهما لما في ذلك من كسر قلوب الفقراء. يستوي في ذلك الرجال والنساء.

وقد أشار تعالى إلى طبيعة النفس البشرية في تمتعها بالذهب فجعل من تمتع الصالحين من بني آدم في الجنة أن من أدواتهم المنزلية صحافا من ذهب قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: ٧١] .

النشأة التاريخية لاتخاذه ثمنا:

لقد مر على الإنسان حين من الدهر وهو يعاني الإشكال في حصوله على احتياجه من طعام وشراب ومسكن ومركب ونحو ذلك. فهو مدني بطبعه قليل بنفسه كثير ببني جنسه. لا يستطيع العيش بدون معونتهم. فبالرغم من البساطة التامة في حياته إبان العصور الأولى فقد كان محتاجا إلى ما عند الآخرين. فإن كان مزارعا فهو محتاج إلى أدوات الحرث والري من الصناع. وإن كان صيادا أو راعي أنعام فهو محتاج إلى بعض الحبوب والثمار من المزارعين. ولا شك أن كل فرد في الغالب يضن ببذل ما عنده لحاجة غيره، ما لم يكن ذلك البذل في مقابلة عوض.

وتحقيقا لعوامل الاحتياج نشأ لديهم ما يسمى بالمقايضة، بمعنى أن الصياد أو مستنتج الأنعام مثلا يشتري حاجته من الإنتاج الزراعي، مما يملكه من لحوم وأصواف وجلود وأنعام وهكذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>