للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر لنا سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد – رحمه الله – أنه اطلع على نقل عن الغزالي بأنه يرى أن النقد ما تم الاتفاق على اعتباره، حتى ولو كانت قطعة من أحجار أو أخشاب.

وعليه فإننا في شك من صحة ما قيل بأن النقدين الذهب والفضة خلقا للثمنية. وقد يقوى الشك في صحة هذا القول لمن يتم له استعراض الأدوار التاريخية التي مر بها النقد حتى صار إلى ما هو عليه الآن (١) .

وبما ذكرنا نستطيع القول بأن النقد شيء اعتباري، سواء كان ذلك الاعتبار ناتجا عن حكم سلطاني أو عرف عام. وأن القول بأن الذهب والفضة خلقا للثمنية: قول يفقد مقومات اعتباره من الناحية الشرعية، ومن الناحية اللغوية، والناحية التاريخية: وهذا لا يعني عدم التسليم بأنهما أكثر من غيرهما إيغالا في الثمنية، بل هما موغلان فيها، ولهذا جاء النص بعموم جريان الربا فيهما، سواء في ذلك تبرهما ومسكوكهما، إلا ما أخرجته الصنعة منهما كالحلي، ففي جريان الربا فيه خلاف بين العلماء نذكره في موضعه من هذا البحث إن شاء الله.

علة الربا في النقدين:

لا أدري لعل غيري كان يتساءل كما كان مني التساؤل منذ كنت في المرحلة الثانوية أدرس ضمن دراستي مادة الفقه مسائل الربا، وذلك حينما أجد الفقهاء رحمهم الله يعبرون عن ضابط ما يجري فيه الربا بالعلة فيقولون: علة الربا في النقدين الوزن، وفي غيرهما الكيل، فأي مناسبة في الوزن لجريان الربا في النقدين، وفي الكيل لجريانه في غيرهما من الأصناف الأربعة الواردة في حديث عبادة بن الصامت؟. الواقع أن التعليل بالوزن أو بالكيل لجريان الربا تعليل بوصف طردي لا حكمة فيه، والتعليل بالوصف الطردي ممتنع لدى جمهور علماء الأصول ومحققيهم. قال الآمدي في كتابه إحكام الأحكام في بحثه القياس وشروطه (٢) :

(اختلفوا في جواز كون العلة في الأصل بمعنى الأمارة المجردة، والمختار أنه لا بد أن تكون العلة في الأصل بمعنى الباعث. أي مشتملة على حكمة صالحة أن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم، وإلا فلو كانت وصفا طرديا لا حكمة فيه، بل أمارة مجردة فالتعليل بها في الأصل ممتنع لوجهين: الأول أنه لا فائدة في الأمارة سوى تعريف الحكم، والحكم في الأصل معروف بالخطاب، لا بالعلة المستنبطة منه. الثاني أن علة الأصل مستنبطة من حكم الأصل ومتفرعة عنه، فلو كانت معرفة لحكم الأصل لكان متوقفا عليها ومتفرعا عنها وهذا دور ممتنع) اهـ.


(١) انظر الورق النقدي ص٢٦- ٣٢ لمؤلفه عبد الله بن منيع
(٢) ج٣ ص١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>