وأورد أيضا على القائلين بالوزن علة لجريان الربا في النقدين إيرادا آخر ملخصه أن حكمة تحريم الربا ليست مقصورة على ما يوزن، بل هي متعدية إلى غيره مما يعد ثمنا كالفلوس والورق النقدي، بل إن الظلم المراعى إبعاده في تحريم الربا في النقدين واقع في التعامل بالورق النقدي، وبشكل واضح في غالبه، تتضاءل معه صورة الظلم الواقع في التعامل بالذهب والفضة متفاضلا في الجنس أو نسيئة في الجنسين، نظرا لارتفاع القيمة الثمنية في بعضها كفئات الخمسمائة ريال والألف دولار.
فليس التعليل بالوزن جامعا لأجزاء ما يجري فيه الربا من أنواع الأثمان، فتعين المصير إلى مناط جامع مانع.
أما القائلون بغلبة الثمنية علة لجريان الربا في النقدين، فأورد عليهم أن العلة عندكم قاصرة على النقدين: الذهب والفضة، والعلة القاصرة لا يصح التعليل بها في اختيار أكثر أهل العلم، قال النووي رحمه الله في (مجموعة شرح المهذب) في معرض سياقه الرد على الشافعية لقولهم بالعلة القاصرة (١) :
(وعندكم في العلة القاصرة وجهان لأصحاب الشافعية، أحدهما أنها فاسدة لا يجوز التعليل بها لعدم الفائدة فيها، فإن حكم الأصل قد عرفناه، وإنما مقصود العلة أن يلحق بالأصل غيره، والوجه الثاني أن القاصرة صحيحة، ولكن المتعدية أولى. قالوا: فعلتكم مردودة على الوجهين لأن حكم الذهب والفضة عرفناه بالنص. قالوا: ولأن علتكم قد توجد ولا حكم، وقد يوجد الحكم ولا علة كالفلوس بخراسان وغيرها، فإنها أثمان ولا ربا فيها عندكم، والثاني كأواني الذهب والفضة يحرم الربا فيها مع أنها ليست أثمانا) اهـ.
وأورد عليهم أيضا ما أورد على القائلين بالوزن علة من أن حكمة تحريم الربا ليست مقصورة على النقدين، بل تتعداهما إلى غيرهما من الأثمان كالفلوس والورق النقدي إلى آخر الاعتراض المتقدم قريبا.
أما القائلون بأن علة الربا في النقدين مطلق الثمنية، فقد استخرجوا مناطا جامعا مانعا متفقا مع الحكمة في جريان الربا في الذهب والفضة.