وما ذكره ابن مفلح رحمه الله في كتابه الفروع من قوله: بأنها علة قاصرة لا يصلح التعليل بها في اختيار الأكثر، منقوضة طردا بالفلوس، لأنها أثمان وعكسا بالحلي. فهذا الإيراد لا يتجه إلا على القائلين بغلبة الثمنية. أما القائلون بمطلق الثمنية فلم يخرجوا الفلوس الرائجة عن حكم النقدين بل اعتبروها نقدا يجري فيه الربا بنوعيه كما يجري الربا بنوعيه في الذهب والفضة.
كما أنهم لم يقولوا بجريان الربا في الحلي المصنوع من الذهب أو الفضة، لأن الصناعة قد نقلته من مادة الثمنية إلى جنس السلع والثياب.
ولهذا لا تجب فيه الزكاة على القول المشهور مع أنه من مادة الذهب والفضة.
وفي امتناع جريان الربا في الحلي المباح من الذهب والفضة يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) ما نصه (١) :
(وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا، فإن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد، وعلى هذا فالمصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة، كالآنية: حرم بيعه بجنسه وغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره علي ومعاوية، فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي. وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحلية النساء، وما أبيح من حلية السلاح وغيرها فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها، فإنه سفه وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه، لحاجة الناس إليه. فلم يبق إلا أن يقال: لا يجوز بيعها بجنسها ألبتة، بل بيعها بجنس آخر وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تنفيه الشريعة، فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب، وتكليف الاستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحيل باطلة في الشرع، وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر، لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع، فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما هو صريح في المنع، وغاياتها أن تكون عامة أو مطلقة، ولا ينكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي، وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة، والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحيلة، ولا سيما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارة بلفظ الدراهم والدنانير، كقوله: (الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير) . وفي الزكاة قوله:(في الرقة ربع العشر) . والرقة هي الوَرِق، وهي الدراهم المضروبة. وتارة بلفظ الذهب والفضة فإن حمل المطلق على المقيد كان نهيا عن الربا في النقدين، وإيجابا للزكاة فيهما، ولا يقتضي ذلك نفي الحكم عن جملة ما عداهما بل فيه تفصيل. فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره لا في كلها، وفي هذا توفية الأدلة حقها، وليس فيه مخالفة شيء لدليل منها.