للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضحه أن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وسائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه الصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محظور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها (إما أن تقضي وإما أن تربي) . كما لا يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل. ولا ريب أن هذا قد يقع فيها لكن لو سد على الناس ذلك لسد عليهم باب الدين، وتضرروا بذلك غاية الضرر. يوضحه أن الناس على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم كانوا يتخذون الحلية، وكان النساء يلبسنها، وكن يتصدقن بها في الأعياد وغيرها. ومن المعلوم بالضرورة أنهم كانوا يعطونها للمحاويج ويعلم أنهم يبيعونها. ومعلوم قطعا أنها لا تباع بوزنها فإنه سفه. ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي دينارا، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى لله وأفقه في دينه، وأعلم بمقاصد رسوله أن يرتكبوا الحيل أو يعلموها الناس. يوضحه أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه نهى أن يباع الحلي إلا بغير جنسه أو بوزنه، والمنقول عنهم إنما هو في الصرف، يوضحه أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة كما تقدم بيانه، وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر. وكما أبيح النظر للخاطب، والشاهد والطبيب، والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال، حرم لسد ذريعة التشبه بالنساء الملعون فاعله وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة، وكذلك ينبغي أن يباح بيع الحلي المصوغة صياغة مباحة بأكثر من وزنها، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك إلى آخر ما ذكره رحمه الله.

وقد يرد على ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله من أن الحلية المصنوعة لا يجري فيها الربا، ما رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا يباع حتى يفصل)) ، وفي لفظ لأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقلادة ابتاعها رجل بتسعة أو سبعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حتى تميز بينه وبينه)) فقال: إنما أردت الحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا حتى تميز بينهما)) ، قال: فرده حتى ميز بينهما.

ووجه الإيراد أن القلادة حلية فيها ذهب وقد اشتريت بذهب، ومع هذا فقد اعترض صلى الله عليه وسلم على صحة هذا البيع وأمر برده حتى يفصل. وقد يكون من الجواب عليه أن ذهب القلادة كان أكثر من ثمنها، حيث ذكر فضالة أنه فصلها فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارا. وأكثر ما روي في ثمنها أنه اثنا عشر دينارا، وقد روي أنه اشتراها بسبعة دنانير أو تسعة، فإذا كان ما فيها من الذهب أكثر من ثمنها ذهبا، لم يكن للصياغة فيها مقابل. وآل الأمر فيها إلى بيع ذهب بذهب متفاضلا، لم يكون لزيادة بعضه على بعض مقابل.

<<  <  ج: ص:  >  >>