والذي يظهر لي – والله أعلم – أن الشيك المعتبر والذي هو في معنى القبض هو الشيك المصدق. وتأسيسا على هذا فإذا اشترى الفرد ذهبا أو فضة بثمن آخر وبموجب شيك بذلك الثمن فإن كان مصدقا فقبضه قبض لمحتواه والمصارفة بذلك صحيحة. وإن كان غير مصدق فقبضه ليس قبضا لمشموله وبالتالي فقبضه ليس في حكم القبض المبرئ للذمة والمصارفة بموجبه غير صحيحة لأن التقابض في مجلس العقد غير محقق.
فمثل هذا الشيك آفاته كثيرة: منهما احتمال سحبه على غير رصيد، أو على رصيد لا يكفي لتغطيته، أو لاحتمال رجوع ساحبه في سحبه قبل تقديمه للبنك المسحوب عليه؛ فهذه العيوب تجعله غير أهل للاعتبار في القول بأن قبضه قبض لمحتواه. والله أعلم.
وأما شراء الذهب ببطاقة الائتمان فنظرا إلى أن بطاقة الائتمان تعتبر مبرئة للذمة براءة كاملة بين المتصارفين وحق بائع الذهب بموجب بطاقة الائتمان ثابت كثبوت حقه في الشيك المصدق من حيث إن صاحب البطاقة حينما يوقع بموجبها على فاتورة الدفع لا يستطيع الرجوع في توقيعه، ولا يستطيع مصدر البطاقة أن يتأخر عن سداد القيمة عند الطلب مهما كانت حال صاحب البطاقة.
ونظرا لهذا فإن القول بصحة المصارفة ببطاقة الائتمان قول وجيه يؤيده أن معنى القبض متوفر فيها حيث يتفرق المتصارفان بموجبها وليس بينهما شيء. ومع هذا فالمسألة في حاجة إلى مزيد من النظر والتأمل في ضوء التصور لحقيقة البطاقة الائتمانية. والله المستعان.
ومنها:
التعامل بشهادات الذهب أو حسابات الذهب، وهي شهادات تصدرها مؤسسات متخصصة تخول صاحبها قبض كمية من الذهب ولا يلزم أن تكون تلك الكمية معينة منفصلة عن غيرها. وقد لا تكون موجودة فعلا لدى المؤسسة في كل الأوقات.
هذا التعامل يعني أن أحد الرجال مثلا يشتري كمية من الذهب يجري تسلمه شهادة بها يتسلم بموجبها هذه الكمية من الذهب من مخازن إحدى هذه المؤسسات أو من مخازن متخصصة لهذه المؤسسة حق التحويل عليها بذلك وقد لا يكون الذهب موجودا في هذه المخازن وقت المصارفة.
الذي يظهر لي، والله أعلم، أن هذا النوع من المصارفة لا يتحقق فيه معنى التقابض في مجلس العقد لأمرين: أحدهما أن المؤسسة المتخصصة في إصدار شهادات الذهب ليس لشهاداتها اعتبار موجب للثقة كالثقة في الشيك المصدق. حيث إن مشتري الذهب لا يستطيع التصرف فيما اشتراه في مجلس العقد للاحتمال القوي في بعد هذه المخازن عن قدرته على حيازة ما اشتراه. الثاني أن وجود الذهب في المخازن المختصة مشكوك فيه فقد يكون موجودا وقد لا يوجد إلا بعد وقت لا يعلم تحديده، فيطلب من المشتري الانتظار، والرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر من عناصر المصارفة وصحتها التفرق بين المتصارفين وليس بينهما شيء؛ وهذا العنصر مفقود في هذه المصارفة فضلا عن أن التقابض في مجلس العقد مفقود حسا ومعنى.
وتأسيسا على هذا فلا يظهر لي جواز هذا النوع من المصارفة لفقده شرطها. والله أعلم.