للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترجيح:

بعد عرض آراء العلماء في علة الربا في الذهب والفضة، وذكر أدلتهم ومناقشتها، يترجح عندي رأي القائلين بأن العلة مطلق الثمينة. لأن أدلة القائلين بالوزن والجنس، والقائلين بغلبة الثمنية لم يسلم أي منها من اعتراضات قوية؛ ولأن الذهب والفضة وإن كانا يتمتعان بخصائص لا توجد في غيرهما، وأن المضروب منهما ثمن بالاتفاق، إلا أن هذا لا يمنع من وجود الثمنية في غيرهما؛ إذا تحقق فيه القيام بدور النقود؛ ومنها إن صار وسيطا للتبادل، ولقي قبولا عاما، وهذه الخصائص وجدت في غير الذهب والفضة، فدل على أن التعليل بجوهر الثمنية، أو الثمنية الغالبة، إذا قصد بها الذهب والفضة فقط لا يصلح أن يكون علة، لوجود الثمن في غيرهما، مثل الأوراق النقدية التي تكاد تكون النقد الوحيد في العالم في هذه العصور. ومن هنا يتبين أن التعليل بالثمنية، أو الثمنية المطلقة هو الذي يشمل كل نقد، وأنه التعليل الذي يتفق مع مقاصد الشارع.

وقد تنبه أبو الخطاب الكلوذاني، الفقيه الحنبلي المتوفى سنة (٥١٠هـ) ، إلى فائدة التعليل بالثمنية، وعدم قصره على الذهب أو الفضة فقال: (من فوائدها ربما حدث جنس آخر يجعل ثمنا، فتكون تلك علة) (١) .

وما أورد على من علل بالثمنية المطلقة بأن الأواني، والحلي من الذهب والفضة يجري فيها الربا وليست أثمانا، وأن هذا يؤدي إلى تخلف العلة عن الحكم.

فالجواب عليه: أن الربا في الذهب والفضة ثابت بالنص، وهو عام يشمل التبر والمضروب، والحلي، والأواني، وقد حكى النووي، وابن عبد البر الإجماع عليه. وأن الثمنية في الذهب والفضة يمتد إلى أصل المضروب، بدليل أن السبائك الذهبية كانت تستعمل نقدا قبل سكها نقودا، وكان تقدير ثمنيتها بالوزن، والدليل على ذلك ما رواه الترمذي عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا سروايل وعندي وزان يزن بالأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: ((زن وأرجح)) (٢) . قال الترمذي حديث حسن صحيح.

ورواه أبو داود وابن ماجه والنسائي، والإمام أحمد، والدارمي.


(١) الإنصاف ٥/١٢ و١٣؛ الفروع ٤/١٤٩
(٢) صحيح الترمذي بشرح ابن العربي ٦/٤٠؛ وانظر: سنن أبي داود ٣/٦٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>