للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١) قسم الأبحاث الطبية

نهاية الحياة الإنسانية

للدكتور مختار المهدي

رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب

مقدمة:

لم يكن التساؤل عن نهاية الحياة الإنسانية يثير الكثير من الجدل والنقاش مثل ما يفعل الآن، ويرجع ذلك إلى طفرة التقدم في العلوم الحديثة ومنها العلوم الطبية، وقد كشف لنا هذا التقدم عن الكثير من دقائق الحياة، وأيضًا الكثير من أسرار الموت، وذلك من خلال استعمال الأجهزة الحديثة في أقسام العناية المركزة ومنها أجهزة التنفس الصناعي، وكذلك أجهزة قياس عمل المخ وقياس وظائف محددة بالمخ واختبار هذه الأجزاء المختلفة، ومن خلال تفهم هذه الظواهر الجديدة أصبح تحديد توقيت نهاية الحياة الإنسانية ممكنًا على درجة كبيرة من الدقة، ودقة هذا التحديد وأهميته لا ترجع فقط لما يترتب على هذه النهاية من شرع وقوانين ومراسم، ولكن أيضًا لما قد يستخلصه ذلك من بعث فرحة الأمل في إنقاذ حياة ما من خلال مرارة فقد حياة ولت وانتهت، وذلك بفتح آفاق علمية كبيرة في علم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وهو الأمل في الحياة من جديد عندما يصل علاج بعض الأمراض إلى طريق مسدود وتبدو في الأفق علامات نهاية حياة المريض.

من هو الإنسان وما موضع المخ الحي منه؟

كلنا يذكر ببساطة أن الإنسان عبارة عن جسد وروح ولن نتحدث هنا عن كنه هذه الروح حيث إننا لا نعلم عنها شيئًا ولكننا ندرك تأثيرها في الجسد، فالجسد الميت الجامد لا يختلف كيميائيًا عن الجسد الحي على الإطلاق، كما أنه لا يختلف عنه أيضًا من الناحية الشكلية أو التشريحية أو حتى من خلال فحص الأنسجة بالميكروسكوب، وبكلام أعم لا يوجد اختلاف مادي بين الجسد الحي والميت ولكن الفرق هو في تأدية الوظائف.

الجسد الحي جميع أجزائه تعمل وهذا العمل يكون على مستويات مختلفة من خلايا أو أعضاء أو كجسد متكامل، الخلية الواحدة تعمل ويتم في داخلها العشرات من الأعمال المختلفة، كلها تتم في آن واحد ولكنها تدرك أنها ليست وحدها في هذا الجسد لأنها تتعامل مع خلايا أخرى في داخل العضو أو في أعضاء أخرى، هذا التعامل يتم بأساليب مختلفة، ولكن هذا الإدراك والتعامل ليس إدراك الواعي العاقل ولكنه إدراك البرمجة بما تحتويه نوايا هذه الخلايا من أشرطة متوارثة من وقت آدم، بها تفاصيل أعمال كل خلية إنسانية ومتى تعلمها بحيث يكون عمل أجهزة الجسم كلها في انسجام وتوافق، كل في اختصاصه، بعض هذه الخلايا دائم التجدد، أي القديم يشيخ ويبلى ويحل محلها خلايا أخرى جديدة، وأخرى لا تتجدد طوال حياة الإنسان وحتى هذه فإن مكوناتها من مركبات عضوية وغير عضوية دائمة التبديل، حتى مادة الكالسيوم الصلبة التي في العظام فإنها تتجدد تدريجيًا مرة كل عدة شهور مع المحافظة على الشكل العام وذلك أيضًا بفعل البرمجة، وبمعنى آخر فالإنسان الذي نراه أمامنا بكتلته التي قد تصل إلى سبعين أو ثمانين كيلو جرامًا يتبدل تمامًا جسده من ماء وأملاح ومعادن بجسد جديد تدريجيًا كل فترة من الزمن وهذه الكيماويات تذهب في إفرازات الجسم المختلفة وتحدد من غذائه وهو ما يمكن أن نسميه بالبعث المتكرر في أثناء حياة الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>