وهنا حقيقة كبرى يجب أن نتفهمها من البداية، وهي وإن كانت الخلية الإنسانية تمثل حياة وهي إحدى مظاهر إعجاز الخالق، سبحانه وتعالى، إلا أن حياة الغالبية العظمى من خلايا جسد الإنسان وكذلك أعضاؤه التي يحتويها هذا الجسد لها حياتها المستقلة عن حياة الإنسان كفرد، وكحقيقة مطلقة لا ترتبط حياة إحداهما بالأخرى، وبمعنى أوضح أن خلايا جسم الإنسان وأعضائه لا تشاركه "روحه" بدليل أننا يمكن أن نأخذ بعض خلايا من جسم الإنسان لزراعتها ودراستها بالمعمل ولا تفقد هذه الخلايا "حياتها" بخروجها من جسم الإنسان ومن الأمثلة الأخرى استئصال كلية حية من جسم إنسان لزراعتها في جسم إنسان آخر، إنها لا تفقد حياتها باستئصالها ولا تكتسب حياة جديد من الجسد المنقولة إليه ولا تتأثر لو حدث أن توفي صاحبها الأول ولكنها تستمر في حياتها الذاتية وتؤدي نفس العمل الذي خلقت له أساسًا وتحيا حياة فيها نماء وهدم وبناء طالما توافرت لها إمكانية الغذاء المناسب، بصرف النظر عمن يحتويها.
هل يمكن أن نعود إلى التساؤل من هو الإنسان مرة أخرى ونقول هذه المرة هو جسد يحتوي على خلايا وأعضاء حية تعمل بوحي ذاتي على مستوى الخلية الواحدة وعلى مستوى العضو بشرط توافر أسباب هذه الحياة ماديًا، بالإضافة إلى روح قد نسميها نفسًا أو ذاتًا إنسانية وبها يتم تحديد شخصية هذا الإنسان وفرديته.
أين هي إذن النفس الإنسانية من هذا التركيب؟
إننا نتعرف على بعضنا البعض بالمظهر الخارجي من شكل الجسم أو الوجه أو لون العينين أو لون البشرة وأحيانًا من بصمة الإصبع! ولكن كل هذا يمكن أن يتغير، ولن يغير ذلك من ذات الإنسان، أما عن الأعضاء الداخلية والأجهزة السابق ذكرها فإنها جميعًا يمكن استئصالها والاستغناء عنها كما أسلفنا إلا المخ، فالقلب والرئتان والكبد والكلى يمكن استئصالها واستبدالها بأعضاء أخرى إنسانية أو حتى بلاستيكية.. أيضًا مع استمرارية الذات الإنسانية وعدم تغيرها، ما هي إذن وأين تكمن هذه الذات؟