قد نظن الآن أن النفس الإنسانية تكمن في مخ الإنسان لأنه مكان استقبال جميع الحواس من سمع وبصر وشم وذوق ولمس، إنه مكان الاستقبال الوحيد من العالم الخارجي، كما أنه يحتوي على مخازن الذاكرة من قراءات وسمع وبصر.. إلخ والخبرات السابقة ومكان التفكير والابتكار، وبه تم إرسال الطباع والعادات والمثل المكتسبة، والمميزة لكل إنسان ومكان تواجد الغرائز الموروثة أيضًا، كما أنه مصدر الأفعال المترتبة على ما يستقبله من معلومات، وقد عرفنا ذلك كله لأن تلف أجزاء محددة من المخ ينتج عنه فقد قدرات معينة اختصت بها هذه الأجزاء ولكل هذه القدرات استخلفنا الله في الأرض وعلى استخدامها سنحاسب في النهاية وإذا ما فقدها إنسان فقد الأهلية وسقط عنه الحساب.
ولو نظرنا بتكبير مجهري داخل المخ لوجدناه يتكون من ملايين الخلايا العصبية التي تشبه البطاريات الكهربائية الصغيرة يترجم فيها كل شيء من أحاسيس وأفكار ورغبات إلى ومضات كهربية تحملها أسلاك دقيقة معزولة تنتهي إلى أطراف دقيقة تترجم هذه الومضات السابقة إلى طاقات كيمائية تقوم بدورها بتنبيه خلايا أخرى، وهكذا تستقبل الأحاسيس من سمعية وبصرية وخلافه وتنفذ المهام من فكر وأفعال.
وهنا يجب أن نلاحظ أن جميع الأحاسيس الواردة للمخ وأيضًا جميع الإشارات الصادرة عنه لتنفيذ المهام تصل منها للعلم إلى مكان معين من المخ يكون باستمرار على علم تام بمجريات الأمور ذلك هو جذع المخ وعلى الأدق نسيج معين داخله يسمى النسيج الشبكي، وهذا الجزء له تأثير كبير على أجزاء المخ الأخرى، وقد أثبتت البحوث الكثيرة أن هذا النسيج الشبكي هو المسؤول عن وعي الإنسان، وأنه إذا فقد الإنسان وعيه لسبب أو آخر فإن ذلك يحدث لأن هذا النسيج قد تعرض لضرر ما، وذلك كالإصابة في الحوادث أو بالتأثير من السموم أو الأمراض ويدخل في ذلك التخدير أو تعاطي العقاقير من منومة ومهدئة ومهلوسة، وهو المسؤول عن نوم الإنسان ويقظته.. ويبدو لنا الآن أن هذا هو الغالب مكمن النفس الإنسانية (شكل ٢) .