للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على الرسول الأمين سيدنا ونبينا محمد رسول رب العالمين، الهادي إلى صراط المستقيم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

وبعد،

فالذهب معدن نفيس استهوى الإنسان منذ القدم بحبه وإيثاره وافتخاره بتملكه والتزين به حتى أغراه بعبادته، قال تعالى {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [طه:٨٧-٨٨] ، فالذهب معدن يتميز عن المعادن الأخرى بميزات طبيعية تكمن في قدرته على مقاومة عوامل التعرية وسلامته من التعرض للصدأ، فبمشورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ عرفجة بن هرثمة أنفا من ذهب حينما قطع أنفه في إحدى المعارك مع رسول صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من حرمة التحلي به على الرجال فقد أذن في اتخاذ الأسنان منه للرجال، ولوفور ووقور محبته في النفس البشرية وإيثاره في حب التملك ذكره الله تعالى في عداد أمور زين للناس حب تملكها، قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران:١٤] . وقد جعله الله في الجنة من وسائل الإنعام والتنعيم، قال تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج:٢٣] . ولما وقر في النفس البشرية من إيثار لهذا النوع من المعادن دون غيره وكونهما بعد التملك مظنة البخل بهما وإمساكهما فقد حذر تعالى من كنزهما دون إنفاقهما في سبيل الله، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:٣٤] .

ولما في الذهب من تأثير على النفس البشرية من حيث الافتخار والاعتزاز واعتبار ذلك من مقومات الوجاهة والقيادة والاعتبار، قال تعالى حكاية عن قوم فرعون في معرض إنكارهم رسالة موسى عليه السلام، وأن دعواه – الرسالة – تفتقر إلى ما يسندها من مقومات الاعتبار: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف:٥٣] وقال تعالى في معرض الفداء مشيرا إلى أغلى ما يملكه الإنسان وهو الذهب أنه لو ملك منه ملء الأرض لرضي ببذله فداء له لما حل به من سوء العذاب، فال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران:٩١] . ولما في الذهب والفضة من الإغراء للنفوس البشرية فقد جعلهما الإنسان أكثرا إيثارا من غيرهما من المعادن الأخرى في اتخاذ زينته منهما ولحكمة ربانية تقتضي كبح النفس البشرية عن التجبر والتكبر والطغيان فقد حرم الله تعالى على الرجال اتخاذهما زينة لهم إلا ما استثني، وذكر صلى الله عليه وسلم تعليل التحريم بأن فيهما كسرا لقلوب الفقراء ولما فيهما من الإغراء والتمتع بالتزين بهما؛ ولأن النساء في وضع يقتضي تمكينهن من أسباب تعلق الرجال بهن فقد أباح للنساء اتخاذهما حليا لزينتهن أمام أزواجهن وحرم ذلك على الرجال، كما حرم تعالى اتخاذ الأواني المنزلية والتحف الجمالية منهما لما في ذلك من كسر قلوب الفقراء يستوي في ذلك الرجال والنساء. وقد أشار تعالى إلى طبيعية النفس البشرية في تمتعها بالذهب فجعل من تمتع الصالحين من بني آدم في الجنة أن من أدواتهم المنزلية صحائف من ذهب، قال تعالى {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف:٧١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>