لقد مر على الإنسان حين من الدهر وهو يعاني الإشكال في طريقة حصوله على حاجاته الأساسية من طعام وشراب وسكن فاضطر إلى الأخذ بمبدأ المقايضة، ثم إنه وجدها لا توفر له احتياجاته ووجد فيها من المشاكل ما جعله يبحث عن وسيلة أخرى لتيسير تبادله مع غيره طلبا لحاجته فنشأ مبدأ الأخذ بوسيط التبادل، فاتجهت الدول المختلفة إلى اتخاذ السلع وسيطا للتبادل كالفراء في البلاد الباردة والأصواف في البلاد الساحلية وأنياب الفيلة والخرز والرياش في البلاد المعتدلة، وبتطور الحياة الاقتصادية ظهر عجز هذه السلع عن القيام بوظيفتها كوسيلة تقويم فاتجه الفكر الاقتصادي إلى الاستعاضة عن ذلك بالمعادن وخصوصا الذهب والفضة لما فيهما من عناصر وخصائص جعلتهما أفضل وسيلة للتقويم فساد التعامل بهما ردحا من الزمن على شكل سبائك وقطع غير مسكوكة إلا أن اختلاف أنواع هذين المعدنين أوجد في استعمالهما ثغرة كانت ميدانا للتلاعب والفوضى، فليس كل الناس يعرف المادة الأصلية للذهب والمعيار المقبول للتبادل، ثم إن تقدير ذلك بالوزن أوجد فرصة لسرقتها بالتلاعب في وزنها فتدخل الحكام في ذلك بسكهما نقودا على شكل قطع مختلفة المقدار والوزن، فأصبحت العمل المعدنية الذهبية معدودة بعد أن كانت موزونة، وصار كل جنس منهما متفقا مع بعض في النوع والمقدار.
علة الربا في الذهب:
اختلف العلماء – رحمهم الله- في تعيين علة الربا في الذهب إلى مجموعة أقوال؛ فقد قيل: إن العلة في ذلك الوزن، وقيل بأن العلة فيه غلبة الثمنية، وقيل بأن العلة في ذلك مطلق الثمنية. وجرى في البحث المقدم وهو بين أيديكم – حفظكم الله – وهو بحث لا يتسع المجال لذكر تفاصيله في مثل هذه العجالة، جرى مني استعراض هذه الأقوال ومناقشتها واختيار القول بأن علة الربا في الذهب مطلق الثمنية وتوجيه الاختيار والرد على الأقوال الأخرى بما يبرر الاختيار ويؤيده. وفيما يلي الإجابة عن المسائل التي طرحها مجمع الفقه الإسلامي ورغب الإجابة عنها، ومنها:(حكم المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار أقل منه مضموما إليه جنس آخر) . الحكم في ذلك فيما يظهر لي – والله أعلم – الجواز لأن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الآخر في العوض الثاني، أشبه الحكم بجواز بيع حلي الذهب بأكثر من وزنه ذهبا حيث إن الزيادة في الثمن وزنها هي قيمة الصنعة في الحلي، وقد مر في النقل عن ابن القيم – رحمه الله – في ذكر هذا الحكم وتعليله.