للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى البخاري رضي الله عنه عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: (كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر (١)) وذكر في رواية بعدها الزيت (٢) .

ومع أن السلم بيع معلوم في الذمة غائب إلا أن الفقهاء أجمعوا على جوازه لورود النص الصحيح بذلك واعتبر استثناء من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك.

والسبب في الاستثناء ضرورة كل واحد من المتبايعين (بأن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري التمرة، وصاحب التمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليه، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج) (٣) .

وإليك الآن شروط السلم فيما يتعلق بالمسلم فيه:

١- أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة وهذا لا إشكال فيه لأن المسلم أصلا نوع من المداينة. ولكن اختلفوا فيما إذا كان من شروط السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه. اشترط أبو حنيفة وجود المسلم فيه في الأسواق من حين العقد إلى حين الأجل مخافة أن يحين أجل تسليم المسلم فيه فلا يوجد فيكون ذلك غررا. وخالفه سائر الفقهاء وقالوا: المراعى وجوده عند الأجل.

٢- أن يكون المسلم فيه موصوفا وصفا كافيا، والوصف إنما يكون بالمتعارف عليه بين الناس في كل بلد فمثلا التمر إذا أسلم فيه فلا بد من بيان نوعه وإلا كان العقد فاسدا، وكذلك إذا أسلم في بلد فيه أنواع من الحنطة فلا بد من تعيينها. جاء في المدونة الكبرى: قل: أرأيت إن أسلف في تمر ولم يبين صيمانيا من برني ولا جعرورا ولم يذكر جنسا من التمر بعينه، قال: السلف فاسد في قول مالك، قلت: فإن أسلف في تمر برني ولم يقل جيدا ولا رديئا، قال: يكون فاسدا في قول مالك، حتى يصف، قلت: وكذلك الحنطة، قال: ولا تكون إلا على صفة فإن لم يصف فهو فاسد (٤) .


(١) صحيح البخاري ٣/٤٤
(٢) صحيح البخاري ٣/٤٥
(٣) تفسير القرطبي ٣/٣٧٩
(٤) المدونة الكبرى ٣/١٢٣ (بيروت: دار الفكر ١٩٧٨م)

<<  <  ج: ص:  >  >>