هذه كلماتهم وهي صريحة في أن بيع السلم مخالف للقياس ووجه مخالفته للقياس منافاة هذا البيع لمضمون الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تبع ما ليس عندك)) كما هو المصرح في عباراتهم، ولكن يمكن أن يقال: إن مخالفة بيع السلم للقياس منوط بأن الحديث مفاده ومضمونه النهي عن بيع السلم ولو بعمومه حتى يكون بيع السلم مخالفا للقياس أي مخالفا للحديث النبوي المذكور، ولكن الحديث فيه احتمالات يمكن أن يكون أحد المحتملات النهي عن بيع السلم بعمومه ومفاده النهي عن بيع شيء معدوم كما تقدم في كلماتهم من معنى الحديث وفي معنى الحديث احتمالات ثلاثة كما احتمل بعضها صاحب الروض:
١- لا تبع ما ليس عندك أي ما ليس لك.
٢- لا تبع ما ليس عندك أي ما يكون غائبا عنك وإن كانت مالكا له.
٣- لا تبع ما ليس عندك أي ما لا تكون قادرا على تسليمه ولو في الأجل المسمى.
وهذا الاحتمال الثالث هو مختار بعض.
قال الشيخ العلامة الأنصاري في كتاب البيع: منها ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: ((لا تبع ما ليس عندك)) بناء على أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب والسلف إجماعا فهي كناية لا عن مجرد الملك؛ لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة والعامة بها على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو من نفسه فإن السلطنة والقدرة على التسليم حاصلة هنا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده وإن كان غائبا (١) .
والحاصل مع وجود هذه الاحتمالات في معنى الحديث كما هو الظاهر من كلماتهم فالحكم بكون بيع السلم مخالفا للقياس محل تأمل كما لا يخفى.