والجواب: إن كلامنا هو في صورة القصد إلى البيع الحقيقي لإخراج كل البيوع التي لا قصد فيها إلى تسلم المثمن كما هو الجاري في البورصات العالمية التي لا يكون التسليم والتسلم فيها إلا بمقدار ١ % كما اتضح هذا عند المناقشات التي جرت في مجمع الفقه الإسلامي في دورات سابقة. بالإضافة إلى انتقاص هذا ببيع غير المكيل أو الموزون قبل قبضه كما جوزت ذلك الروايات السابقة.
٤- وقد يقال: إن الحكمة في النهي عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه هو التيقن من حصول القصد الحقيقي للبيع فإن قبض السلعة ووضعها في المخازن يجعل المشتري في حالة من الجدية بحيث لا يشك أحد في وجود قصده الحقيقي للشراء، بينما عدم القبض لم يجعل قصده واضحا للآخرين وإن دفع الثمن حيث يتهم بأن قصده الحقيقي هو الربا، فيدفع الثمن ليشتري بأقل من القيمة مؤجلا ويبيعها قبل قبضها بعد الأجل فيكون قد دفع مائة واستلم مئة وعشرين وقد منع منه الشارع لكونه فائدة مستترة تحت البيع.
ويؤيد هذه الحكمة جواز بيع السلعة على شخص ثالث تولية (بدون ربح) .
ولكن يرد على هذه الحكمة:
١- أنها ليست مطردة في بيع البضاعة قبل قبضها إذا لم تكن السلعة مكيلة أو موزونة بل جوزت الروايات بيعها قبل قبضها مرابحة كما سبق، وما قيل من وجود نهي عن بيع كل ما لم يقبض فهو لم يثبت (١) .
٢- إن كلامنا في القصد الحقيقي للبيع والشراء الذي قد تلازمه الخسارة أو عدم الربح، بخلاف الربا الذي هو ربح مضمون دائما من دون الدخول في المعاملات، فإذا دخل الإنسان في المعاملة التي قد تربح أو تخسر، من دون اشتراط إرجاع ماله إليه مع الزيادة فهي معاملة بعيدة عن الربا حتى وإن حصل الربح قبل القبض بواسطة البيع الحقيقي.
(١) أقول: لم يثبت وجود رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (لا تبيعن شيئا حتى تقبضه) وإنما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهي عن بيع الطعام قبل قبضه) وقال: ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام. وقد روى هذه الرواية البخاري/ كتاب البيوع/ باب بيع الطعام قبل أن يقبض ٤/٣٩٤ ومسلم ٣/١١٥٩. وواضح أن هذه الرواية ليست كلها قد صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم، بل أن الصادر هو الفقرة الأولى وهي النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، أما الفقرة الثانية فهي من اجتهاد ابن عباس. وعلى هذا فإن صدر الرواية يقيد بالروايات الناهية عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه أو يفسر بها. أما ما لا كيل له ولا وزن فقد أجازت الروايات بيعه قبل قبض مرابحة. راجع الروايات المفصلة بين عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه وجواز بيع ما عداهما