وللجواب عن هذا السؤال نستعرض ما يمكن أن يقال في كونه حكمة لنرى مدى صحة ذلك أو عدمه فنقول:
١- قد ندعي أن الحكمة المتوخاة في نظر الشارع هي عدم جواز الربح بدون تحمل الخسارة، وما دامت السلعة المشتراة إذا لم يقبضها المشتري، فخسارتها على بائعها لقاعدة (إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه) فلا يجوز للمشتري أن يربح بدون تحمل للخسارة إذا حصلت في سلعته. وكأن هذا هو الميزان العدل في المنظار الاقتصادي والشرعي القائل:(من كان له الغنم فعليه الغرم) فينبغي أن يكون من يربح إذا باع هو الذي يخسر إذا تلفت السلعة، أما هنا فإن السلعة ما دامت عند البائع وقبل قبض المشتري فخسارتها شرعا على البائع، فلا يجوز لمالكها أن يربح فيها.
ويشهد لهذه الحكمة جواز بيعها على شخص ثالث تولية.
ولكن رغم معقولية هذا القانون، لم يدل عليه أي دليل شرعي، بل نراه غير مرعي فيما إذا كان المشتري غير مكيل أو موزون كما لو كان المشترى ثوبا أو دارا، فإن المشتري يحق له أن يبيعه ويربح فيه قبل قبضه مع أن المشتري لا يخسر إذا تلف.
وكذا قد تخلف هذا القانون في موارد أخر كالثمار بعد بدو الصلاح، فإن المشتري له حق أن يبيعها وهي على الشجر، ولكن إذا أصابتها جائحة رجع على البائع، وكذا منافع الإجارة، فإن المستأجر له الحق في أن يؤجر ما استأجره ويتصرف فيه ويربح بقسم كبير منه إذا عمل فيه عملا، ولكن إذا حدث تلف في المستأجر، فيرجع على المؤجر بمقدار ما تلف.
فتبين من هذه الأحكام ومن غيرها كما سيأتي (وهو جواز بيع المكيل والموزون على بائعه بربح مع أن تلفه يكون على البائع) إن هذه الحكمة ليست هي صحيحة بالنسبة لمنع بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه.
٢- هل يمكن أن تكون الحكمة هي القدرة على التسليم؟
والجواب بالعدم إذ القدرة على التسليم قد تكون موجودة حتى مع عدم قبض المشتري كما أنها قد لا تكون موجودة حتى مع قبضه كما لو غصبت بعد القبض.
٣- هل يمكن أن تكون الحكمة هي الوقوف ضد المعاملات الوهمية التي لا قصد إليها كما هو الواقع في أسواق البورصة العالمية التي يكون القصد فيها غالبا هو انتظار تقلبات الأسعار للحصول على ربح وهو ما يسمى بالمضاربة الاقتصادية؟