الثاني: أنه ما دام المخ قد مات فهذه هي الوفاة فعلًا ويكون الإصرار على الاستمرار في الإنعاش الصناعي ما لم يكن مؤقتًا وهادفًا إلى استخلاص لعضو لزرعه في مريض من الناحية الفعلية إطالة لعملية الموت وليس حفاظًا على الحياة وإرهاقًا لأعصاب الأهل في غير طائل، وإسرافًا في استعمال وسائل الإنعاش الصناعي، وهي باهظة الكلفة شحيحة التعداد، وحرمانًا منها لمريض آخر قد يكون في حاجة إليها ولم يزل مخه حيًا فله الفرصة إذن في شفاء حقيقي وحياة سوية.
فهل للطبيب إذن أن يمد يده إثر موت المخ فيفصل الكهرباء عن جهاز الإنعاش ويرفعه عن جسم المريض حتى ولو كان نابض القلب متردد الأنفاس فإن فعل توقف التنفس وتوقف القلب عاجلًا أو آجلًا وعجل الغسل والدفن؟
َكلا الموقفين بطبيعة الحال رهن بموافقة الأهل أو وصية المتوفي، أما الموقف الأول فمن أمثلته أول عملية زرع قلب ناجحة وكان إجراؤها في جنوب إفريقيا على يد الجراح كريستيان برنارد. أسرة زنجية شابة تستروح في نهاية الأسبوع بلعب الكرة في الحديقة وفجأة يسقط الزوج الشاب، ويحمل للمستشفى، ويكون التشخيص نزفًا في المخ لا يجدي العلاج ويموت المخ وما زال قلبه الفتي ينبض بفعل الإنعاش الصناعي، وهناك طبيب أسنان يهودي على شفا الهلاك من هبوط قلبه ويشرح الطبيب الموقف للزوجة الشابة وللأم فتوافقان على أخذ القلب ليزرع في طبيب الأسنان فيعيش به.. تصرف نبيل وحاسم في موقف عصيب وقاس.. وقلب شاب زنجي لرجل أبيض في جنوب إفريقيا التي لا تقدم للزنوج إلا كل ما يثير الحقد ويبعث على المرارة.
وبقى أن ننظر بشيء من التفصيل إلى مسألة مد اليد لإيقاف أجهزة الإنعاش في المريض الذي انطفأ مخه، وما زال قلبه يدق وما زال يتنفس وما زال جسمه يتغذى ويفرز.
والخلاف حول هذه النقطة في العالم الطبي ليس خلافًا علميًا، فالموت العلمي هو موت المخ رغم أن باقي الجسم لم يزل حيًا.
فريق يبني تصرفه على هذه الحقيقة العلمية ويقول: أمد يدي لإطفاء الجهاز، والفريق الآخر: يرى أن الأفعال والتصرفات لا تحكمها الحقائق العلمية ولكن تحكمها القوانين الوضعية أو الأحكام الشرعية.