للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفسير ذلك يأتي من أن هناك فارقا بين الميكانيكية التي تعمل من خلالها السياسة النقدية التقليدية، وبين الميكانيكية المنتظر أن تعمل من خلالها الأدوات النقدية الإسلامية. ففاعلية السياسة التقليدية في تحقيق الأهداف المرجوة منها تتوقف على كونها تعمل للتأثير على سوق واحد هو السوق النقدي، من خلال عمليات ضخ وامتصاص تدفقات متتالية من وإلى القطاع المصري تتم كلها في إطار سلسلة واحدة متصلة الأطراف. كما تعتبر هذه العمليات متجانسة في طبيعتها ويحكمها نوع واحد من العقود هو القرض. كما يؤثر فيها مؤشر واحد هو سعر الفائدة. أما الميكانيكية المنتظر أن تعمل من خلالها السياسة النقدية الإسلامية، فتتم من خلال عمليات متنوعة تخضع في إنشائها لعقود غير متجانسة سواء في طبيعتها أو في الآثار المترتبة عليها، ويكون محل التعاقد فيها عددا لا نهائيا من السلع (وليس النقود) التي تخضع في تسعيرها لقوى السوق (العرض والطلب) الخاص بكل منها. ويترتب على ذلك وجود احتمال كبير لعدم قدرة كل من البنك الإسلامي والبنك المركزي في التأثير على أسواق هذه السلع وبالتالي على قطاع رجال الأعمال (المستثمرين) سواء في فترات الرواج أو في فترات الكساد. وهو ما يترجم في النهاية بعجز السياسة النقدية عن تحقيق الأهداف المرجوة منها. (١) أما فيما يتعلق بأثر هذا الاستنتاج على موضوع الحسابات الجارية الذي نحن بصدد بحثه: أنه في حالة إضفاء صفة القرض على الحساب الجاري لدى البنوك الإسلامية، فإن ذلك سيسمح لهذه البنوك بالتحكم في جزء من المعروض النقدي (النقود الائتمانية) بحيث يكون لها السلطة في زيادة هذا الجزء كيفما شاءت، أن يكون للبنك المركزي أو السلطات النقدية بصفة عامة أي قدرة للسيطرة عليها. أما في حالة ما إذا تم تكييف هذه الحسابات على أساس أنها وديعة غير مأذون باستعمالها، إلا بواسطة البنك المركزي، فسيترتب على ذلك حجب أي فرصة لتوليد ائتمانية جديدة، وهي بالتالي طريقة فعالة للوقاية من العديد من المشاكل الاقتصادية المستعصية التي يعاني منها كثير من بلدان العالم في عصرنا الحالي.


(١) يكتفي الباحث بهذا القدر لتفسير هذه الظاهرة لمجرد الإشارة إلى وجود احتمالات كبيرة لفشل ما يسمى بالسياسة النقدية في التأثير على المتغيرات الاقتصادية الكلية داخل اقتصاد الدولة الإسلامية أما التفصيلات الفنية الخاصة بهذا الموضوع فهي محل بحث مطول جار إعداده حاليا بمعرفة الباحث لتقديمه إلى المعهد الإسلامي للبحوث التابع للبنك الإسلامي للتنمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>