للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: طبيعة العلاقة التعاقدية بين البنك وصاحب الحساب الجاري:

يترتب على فتح الحساب الجاري لدى البنك علاقة تعاقدية بين الطرفين.

وقد ظن كثير من الناس أن تسمية هذا الحساب بالودائع هو تعبير صحيح عن طبيعة هذه العلاقة التعاقدية. ولكن شيوع هذه التسمية لم تخف حقيقة أن هذه الحسابات هي في الواقع قروض لا ودائع والعبرة في العقود بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني. وإن نظرة فاحصة لهذه العلاقة إنما هي مطابقة للقرض وليس للوديعة، ومن ثم وجب أن تأخذ حكمها، فمن ذلك مثلا:

أ- الوديعة كما عرفتها المجلة (مادة٧٦٣) : (هي المال الذي يوضع عند إنسان لأجل الحفظ) فهي أمانة يحفظها الوديع في صرة أو نحو ذلك، كما يحفظ أمواله وليس له أن يستخدمها ثم يرد عينها إلى صاحبها. أما القرض فهو مال مثلي يرد مثله لا عينه ويستخدمه المقترض لأغراضه ويخلطه بأمواله. ويختلف عن الوديعة من حيث حق تصرف المدين بالقرض ومن حيث وجوب الأداء عند الطلب. وجلي أن الحسابات الجارية ينطبق عليها الوصف الثاني لا الأول.

ب-ومن حيث الضمان في الذمة المالية فالوديعة غير مضمونة إلا أن يفرط الوديع بحفظها، أما القرض فهو مضمون الرد على المدين (إذا لم يكن معسرا) إن سرق أو ضاع أو تلف. وجلي أن الوصف الثاني هو الذي ينطبق على الحسابات الجارية في المصارف وليس الأول.

وقد اتجهت جميع القوانين الوضعية إلى اعتبار الحسابات الجارية قروضا يقدمها أصحابها إلى المصارف، وتسري عليها القوانين المنظمة للديون. ويعد أصحاب هذه الحسابات في زمرة الدائنين للبنك في حال إفلاسه (منها القانون المدني المصري في المادة ٧٢٦، والمدني السوري في المادة ٤٠٢، والمدني الأردني في المادة ٨٨٩، والمدني العراقي في المادة ٩٧١) .

يمكن القول إذن أن الحسابات المصرفية الجارية هي قروض حسنة (أي بلا فوائد) حالة غير ذات أجل، المقرض فيها العميل والمقترض البنك. (١)


(١) وقد شك البعض في اعتبار الوديعة المصرفية قرضا فاحتج أن إرادة المودع والبنك لم تنصرف إلى إنشاء عقد قرض، وإنما انصرفت إلى إنشاء عقد وديعة بدلالة الألفاظ المستعملة فوجب –في رأيهم-تكييف المعاملة وفق مقصود المتعاقدين. وأضافوا أن البنوك تتقاضى الأجرة أحيانا على الودائع ولا يتصور ذلك في القرض. انظر حسن عبد الله الأمين، الودائع المصرفية ص٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>