اقتضت طبيعة عمل المصرف كوسيط مالي ضرورة أن تكون فرص الاستثمار وتنمية أموال المودعين التي يوفرها لعملائه ذات درجة عالية من السيولة بالمعنى أن أصحابها يمكن لهم تحويلها إلى نقود في وقت قصير وبتكاليف متدنية. ومعلوم أن الاستثمار في المشاريع الصناعية والزراعية والإنشائية الذي توجه إليه أموال أولئك العملاء لا يتضمن لهذه الصفة بل يستغرق وقتا طويلا ولا تتحقق الأرباح إلا بعد تخطي المشاريع لمراحل التأسيس التي ربما استمرت سنوات. وحتى في الأحوال العادية فإن الأرباح في المشاريع القائمة لا توزع إلا في نهاية العام عند إصدار الميزانيات السنوية. وفي الجهة المقابلة فإن العملاء الذين يودعون أموالهم في الحسابات الاستثمارية لدى البنك لا تجتذب أموالهم لمثل ذلك إلا إذا توفرت لهم السيولة وعند اطمئنانهم إلى أن بإمكانهم سحب تلك الودائع في مدة معقولة. إذن فإن البنوك تواجه هدفين متناقضين فهي من جانب الأصول (بمعناها المحاسبي) لا بد أن تكون استثماراتها ذات نظرة طويلة الأجل، ومن حيث الخصوم (بالمعنى المحاسبي) لا بد أن تكون استثماراتها ذات نظرة قصيرة الأجل. ولا ريب أن هذا الوضع يولد مصاعب كثيرة حتى ضمن صيغة العمل المصرفي التقليدي، إلا أنها في النظام المصرفي الإسلامي تولد مصاعب إضافية. ذلك أن عمل المصرف الإسلامي يقوم على صيغة المضاربة فالمودعون في الحسابات الاستثمارية هم أرباب مال في عقد مضاربة يكون المصرف فيه عاملا. والربح كما هو معلوم لا يتحقق في المضاربة إلا بالتنضيض وسلامة رأس المال والقسمة. عندئذ فحسبما يظهر تحقق الربح (أو عدمه) ويجري التوزيع بين العامل ورب المال بحسب ما اتفقا عليه. وهذا أمر غير ممكن في ظل عمل المصرف للأسباب التالية:
١-ما ذكرنا آنفا من أن عملاء البنوك يهتمون بمسألة السيولة وتناقض ذلك مع حقيقة أن المشاريع تحتاج إلى وقت لتحقيق الربح.