٢-أن المصرف، وإن كان في أصله مضاربا، فإن نشاطه مستمر، فهو يقف مستعدا لقبول ودائع العملاء في أي وقت يقدمونها. وهو وإن حدد أوقاتا معينة لقبول تلك الودائع، فإن طبيعة عمله تقتضي أن تكون تلك الأوقات متقاربة، مثل أن تكون اليوم الأول من كل أسبوع، أو مرة في كل أسبوعين أو نحو ذلك. ثم إن أرباب الأموال الجدد إنما يضيف المصرف أموالهم إلى من سبقهم، الأمر الذي يحتاج معه إلى التحقيق من سلامة رأس المال القديم وما إذا كان الربح قد تحقق أم لا.
ولما كان من المحال أن يعمد المصرف في كل أسبوع أو شهر أو نحو ذلك إلى التنضيض الشرعي وهو صيرورة المال نقدا في المضاربة بعد إن كان متاعا أي سلعا وبضائع. (١) فكان المخرج من كل هذا هو التنضيض الحكمي. ويمكن تعريف التنضيض الحكمي بأنه تقويم أحوال المضاربة في نهاية الفترة المتفق عليها (كسنة أو شهر أو أقل من ذلك أو أكثر) واعتماد ذلك التقويم أساسا لتوزيع الأرباح ورد رأس مال من يرغب من أرباب المال بدون تصفية فعلية للمضاربة. وربما تكون تلك الأصول استثمارات في مشروعات مختلفة أو سلعا أو منشآت عقارية أو ديونا.
ويكثر استخدام هذه الطريقة في البنوك الإسلامية في الودائع الاستثمارية وفي صناديق الاستثمار التي تديرها البنوك وذلك لتحقيق الاستمرارية في نشاط المصرف ومعالجة مشكلة عدم التوافق في مدد الأصول والخصوم. وقد تعرض قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم (٥) في دورته الرابعة في سنة ١٤٠٨هـ الموافق ١٩٨٨م إلى مسألة التقويم لمعرفة الربح فأجاز ذلك في صيغة سندات المقارضة وهي شبيهة بما نحن بصدده.
وتعتمد فكرة التنضيض الحكمي إلى إجراء تصفية محاسبية لكل المشاريع التي تستثمر الأموال فيها والتعرف –بطريق الحساب-على مسألة سلامة رأس المال والربح. ويمكن أن يقوم المصرف بهذه العملية متى شاء (مرة كل أسبوع أو أكثر أو أقل) . وعندها يتبين له ما ذكر، يقوم عندئذ برد أموال من رغب في سحب أمواله من المودعين ويقوم بتوزيع الربح على عملائه، كما يقبل عندئذ – وقد تبين له الموقف- أموال المودعين الجدد فيبدءون دورة جديدة مع من استمر من المودعين القدامى. وتتحقق القسمة لن البنك وهو المضارب يقوم بحسم نصيبه من الربح بناء على التنضيض الحكمي. وتعتبر نتائج عملية التنضيض الحكمي –نهائية-فلا يعودون إلى مستثمر سحب نقوده مع ربح إذا تحققت الخسارة فيما بعد ولا عكس ذلك.
د. محمد علي القري
(١) نزيه حماد، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، المعهد العالمي للفكر الإسلامي واشنطن ١٤١٤هـ