للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا نصل إلى تحديد يد المصرف على المال. وبالتأمل في تكييف هذا الحساب بأنه مضاربة بين المصرف وصاحب المال: يتضح أن يد المصرف على هذه الودائع يد أمانة، ولا تضمن إلا بالتعدي. فالمودع يستحق جزءا من الربح إن تحقق، وفي حالة الخسارة فإن المصرف لا يتحمل أي شيء منها، بل هي على المودعين فقط. انسجاما مع قواعد المضاربة الشرعية، صحيح أن المصرف عادة لا يقوم باستثمار هذه الودائع بنفسه بل يقوم بإعطائها لمن يعمل فيها مضاربة، وأنه وسيط أو مضارب بمال المضاربة. فهذا لا يغير من طبيعة اليد على المال.

ولقد بحث فقهاؤنا حالة ما إذا كان المضارب وسيطا بين صاحب المال ومضارب آخر. فاتفقوا على أنه لا يملك هذا بمجرد عقد المضاربة؛ لأن صاحب المال رضي خبرته وأمانته لا خبرة وأمانة غيره. (١) لكن العمل في المصارف الإسلامية يجري على اعتماد التفويض العام له من قبل صاحب الحساب لأن يدفع المال لمضارب آخر.

وقد ذهب فريق من الفقهاء من الحنفية والحنابلة وغيرهم إلى أن التفويض العام من قبل رب المال للمضارب يكفي؛ لأن يدفع عامل المضاربة مال المضاربة لمضارب آخر.

ففي ضوء هذا الذي قرره هؤلاء الفقهاء من جواز هذه المضاربة بالتفويض العام فإن يد المصرف تكون يد أمانة وأن ما تقوم به هذه المصارف من استثمار لهذه الحسابات هو استثمار مشروع خاصة وأن إذن صاحب الحساب للمصرف باستثمار المال بهذه الطريقة إنما هو إذن متحقق بديهي لأنه يعلم أن المصرف لا يمكنه استثمار جميع هذه الأموال بنفسه مباشرة بل لا بد له من استخدام عاملين آخرين لاستثمار الأموال المودعة لديه.

وبيانا لوجه استحقاق المضارب الأول الربح يقول الكاساني: (لأن عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه كما لو استأجر إنسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل؛ لأن عمل أجيره وقع له، فكأنه عمل بنفسه) . (٢)


(١) انظر بدائع الصنائع: ٦/٩٧؛ والمغني لابن قدامة: ٥/٤٨؛ والخرشي: ٥/٢١٤؛ ومغني المحتاج: ٢/٣١٤.
(٢) انظر البدائع: ٦/٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>