للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبحث فقهاؤنا –رحمهم الله- مسألة خلط مال المضاربة بأموال أخرى. والذي ينسجم مع الواقع الاقتصادي لعصرنا وييسر أمر التعامل في المصارف الإسلامية ما ذهب أليه الشافعية، من جوازه بالتفويض العام (١) لأنه ينصرف إلى ما هو متعارف عليه عند التجار وفيه مصلحة للمضاربة خاصة حالة كون رأس المال المودع للمضاربة لا يغطي صفقة يرى المضارب أن فيها ربحا جيدا فيعمد إلى الخلط تحقيقا لمصلحة تعود على الأطراف كلها.

فإذا تحقق الربح فإنه يعطي لكل مال من الأموال المشاركة في هذه المضاربة نسبة تساوي نسبة مشاركته في المضاربة ويعطى المضارب (المصرف) النسبة المتفق عليها في تلك المضاربة.

وإذا وقعت خسارة فإنها تقسم على الأموال المشاركة في هذه المضاربة على نسبة مشاركتها فيها، ويكون الباقي بعد خصم نسبة خسارته هو الذي يستحقه أصحاب رؤوس الأموال، أما المضارب فلا يتحمل شيئا من تلك الخسارة. (٢)

نقرر هذا مع علمنا أن هناك من ذهب إلى ضمان مال المضاربة المشتركة على المضارب (البنك) إما بطريق التبرع للمودعين تشجيعا لهم على الإيداع. (٣) أو قياسا على الأجير المشترك الذي قال بضمانه المالكية وبعض الحنفية. (٤)

وأما ما نقله ابن رشد عن بعض الأئمة من قوله: (إن دفع العامل رأس مال القراض إلى مقارض آخر فإنه ضامن إن كان خسران.) (٥) فهذا جاء في سياق تصرف العامل بغير إذن رب المال.

سواء كان الخلط أو بتسليمه إلى مضارب آخر. بدليل أنه ذكر في أول كتاب القراض الإجماع على أنه لا ضمان على العامل فيما تلف من رأس المال إذا لم يتعد. (٦)

والذي يساعد على ما ذهبنا إليه ورجحناه اتفاق الفقهاء على أن الوضعية على رأس المال.

والقول بضمان المضارب المشترك يؤدي إلى جعل هذا المضارب مقترضا لا مضاربا ومن ثم يكون ما يدفعه للمستثمرين فيه شبهة الربا، أو هو الربا بعينه.


(١) انظر تكملة المجموع على المهذب: ٥/٩٢ و١٠٢
(٢) انظر المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق: ٣٨٥.
(٣) انظر البنك اللاربوي في الإسلام.
(٤) انظر بدائع الصنائع: ٤/٢١٠؛ ومجمع الضمانات: ٢٧؛ وبداية المجتهد: ٢/٢٣٢.
(٥) انظر بداية المجتهد: ٢/٢٤٢.
(٦) انظر بداية المجتهد: ٣/٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>