ولنتكلم على التكييف الفقهي لكل نوع من هذه الأنواع الأربعة قبل أن نتقدم إلى بيان أحكامها؛ لأن الأحكام كلها تنبني على هذا التكييف.
فأما النوع الرابع من هذه الودائع، وهي الخزانات المقفولة، فإن تكييفه لا خفاء فيه، فإنه استئجار من البنك لمخزن معلوم، وإن هذا المخزن يبقى بعد الاستئجار بيد المصرف، وتجري عليه أحكام الأمانة.
أما الأنواع الثلاثة الأخرى، فيختلف تكييفها في البنوك التقليدية عن تكييفها في المصارف الإسلامية، فلنتكلم عن كل منها على حدتها.
ودائع البنوك التقليدية:
أما ودائع البنوك التقليدية، فقد خرجها معظم فقهاء عصرنا على أنها قروض يقدمها البنك، سواء كانت باسم الوديعة؛ لأن العبرة في العقود للمعاني، لا للألفاظ. وإن هذا التكييف يشمل عندهم كل واحد من الأنواع الثلاثة المذكورة؛ لأن المال المودع في كل نوع من هذه الأنواع مضمون على البنك، سواء كان مودعا في الودائع الثابتة، أو في الحساب الجاري، أو في صندوق التوفير، وكونه مضمونا على البنك يخرجه عن طبيعة عقد الوديعة الاصطلاحية في الفقه الإسلامي، لكونها أمانة في يد المودع، غير مضمونة عليها.
ولكن ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى التفريق بين الودائع الثابتة، وبين الحساب الجاري، فقالوا: إن الودائع الثابتة قروض في التكييف الفقهي؛ لأن صاحبها لا يملك سحب رصيده متى شاء، وهذا يخرجها عن طبيعة الوديعة ويجعلها قرضا، وكذلك المال المودع في حساب التوفير ليس وديعة، وإنما هو قرض؛ لأن صاحبه لا يتمكن من سحب كامل الرصيد في وقت واحد. ولكن المال المودع في الحساب الجاري عندهم يختلف عن هذين النوعين، ويزعمون أنه داخل في الوديعة رغم كونه مضمونا. وذلك لأن صاحب هذه الوديعة يملك سحب كامل رصيده متى شاء، دون أن يتوقف ذلك على شيء من الشروط؛ ولأن المودع في هذا النوع من الحساب لا يقصد أبدا أن يقرض ماله للبنك، ولا أن يشاركه في الربح أو الفائدة الحاصلة للبنك بعد استثماره، وإنما يريد إيداعه عند البنك لحفظه. وحيث لم يقصد المودع الإقراض، فلا يمكن أن نسمي فعله إقراضا، ونفسر القول بما يرضى به القائل.
أما تصرف البنك في هذا المال بخلطه مع الأموال الأخرى أو استخدامه لصالحه، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه وديعة؛ لأنه تصرف بإذن المالك عرفا، فلا يخرج من كونه وديعة.