للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن هذا التكييف غير صحيح عندنا. وذلك لأن عامة المودعين لا يعرفون الفرق بين مصطلحات الوديعة والقرض والدين، ولا تهمهم المصطلحات، وإنما تهمهم النتائج العملية، فالمودع – في عامة الأحوال- لا يرضى بإيداع نقوده في البنك إلا إذا ضمن البنك بردها إليه. ولو علم المودع أن هذا المال يبقى أمانة بيد أصحاب البنك بحيث إذا سرقت منه أو ضاعت بدون تعد منه فإن البنك لا يردها إليه، فإنه لا يرضى بإيداعه في البنك، ولولا أن البنك قد أعلم صراحة، أو بحكم العرف السائد في البنوك، أنه يضمن للمودعين ما أودعوا عنده من أموال، لما تقدم معظم المودعين إليه لإيداع أموالهم عنده. وهذا دليل على أن المودعين يقصدون أن تبقى أموالهم عند البنك بصفة مضمونة، وأن يكون للبنك عليها يد ضمان، دون يد أمانة. ويد الضمان لا تثبت بالوديعة، وإنما تثبت بالقرض، فثبت أنهم يقصدون الإقراض دون الإيداع بمعناه الفقهي الدقيق، غير أن مقصودهم الأساسي من وراء هذا الإقراض هو حفظ أموالهم بطريق مضمون، لا التبرع على البنك لمساعدته في مهماته، وإن هذا القصد لا يخرج العقد من كونه قرضا؛ لأن عقد القرض يعتمد على أمرين:

الأمر الأول: أن يعطي المال إلى أحد ويؤذن له بصرفه لصالحه، بشرط أن يرد مثله إلى المقرض متى طلب منه ذلك.

والأمر الثاني: أن يكون المال المدفوع مضمونا على المستقرض.

وهذان العنصران متوفران في الودائع المصرفية. أما أن يقصد المقرض التبرع على المستقرض لمساعدته في مهمته، فليس داخلا في صلب معنى القرض، فقد يتوفر هذا المعنى في بعض القروض، وقد لا يتوفر.

فهذا الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه، كان يأتي إليه الناس ليودعوا أموالهم عنده، ولا يقصدون بذلك مساعدة الزبير رضي الله عنه وإنما يقصدون كانوا حفظ أموالهم، ولكن لم يرض الزبير رضي الله عنه بقبول هذه الودائع إلا إذا أذنوا له بالتصرف في هذه الأموال على أن تكون مضمونة عنده، فكان يقول لهم: (لا، لكن هو سلف) (١) . فسمى العقد سلفا، وهو القرض، بالرغم من أن دائنيه لم يقصدوا إقراضه لمساعدته، وإنما قصدوا أموالهم لا غير.


(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب بركة الغازي في ماله، مع فتح الباري ٦/١٧٥؛ وطبقات ابن سعد٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>